منوعات

نظرية بطليموس الفلكية

الكون هو بيتنا الذي نعيش فيه، ولذلك لم يتوقف الإنسان عن البحث والتعلم حتى يعرف ماهيته، وكيف نشأ ومما يتكون. هل يمكننا العيش في مكان آخر غير الأرض، وما هي الأرض مكونة منه، وما هي بالنسبة للأجرام السماوية الأخرى التي نراها في السماء مثل النجوم والكواكب والأقمار.

مع مرور السنين والعصور، يسعى الإنسان باستمرار للبحث عن الحقيقة. وقد وضع العلماء والفلاسفة العديد من النظريات التي تتحدث عن تكوين وطبيعة الكون. ولكن كما نعلم، لا توجد نظرية ثابتة، فتتغير النظريات بشكل مستمر حول الكون الواسع، وتختفي بعضها وتظهر نظريات جديدة، وذلك بغية تفسير الكون وحركته.

نظرية بطليموس وأرسطو لمنظومة الكون

ظهر بطليموس وأرسطو بنظرية وتصور عن منظومة الكون، واستمرت هذه النظرية قائمة ومعترف بها منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الخامس الميلادي. وكان هذا التصور يرمي إلى أن الكواكب المعروفة في ذلك الوقت، وهي خمس كواكب عطارد والزهرة وزحل والمريخ والمشتري بالإضافة إلى الشمس والقمر والقبة السماوية والنجوم الثابتة الموجودة بها، تدور حول الأرض.

انتشرت هذه النظرية بشكل واسع في هذا العصر، حيث تحتوي على كل ما يلزم لتحقيق النجاح في تلك الفترة، إذ يعتبر الأرض مسكن الإنسان وعالمه الخاص الذي يعيش فيه، وهي مركز حياته. وعندما نأتي بنظرية تقول إن الأرض هي مركز الكون وأن الأجرام السماوية التي نراها في السماء تدور حولها، فإن هذه النظرية ستكون مريحة أكثر لعقولهم .

يعتبر القول بأن الأجرام السماوية كروية الشكل ومتحركة حركة دائرية شيئا منطقيا بعض الشيء، ولكن بعد اكتشاف حركة الأجرام السماوية، ظهرت مشكلة غير متوافقة مع هذه النظرية، خاصة إذا نظرنا إلى حركة كوكب المريخ الذي يتحرك أحيانا نحو الغرب ثم يعود للحركة نحو الشرق.

تصور بطليموس لنظرية الكون

العالم بطليموس

كلاديوس بطليموس كان عالما في الفلك والرياضيات والجغرافيا والمنجمات، وهو من أشهر العلماء الذين أفادوا البشرية بعلمهم واكتشافاتهم في التاريخ. ولد بطليموس في مصر عام 87 ميلادي وكان مواطنا رومانيا يونانيا، وعاش في الإسكندرية لفترة طويلة، حيث أقام في كانوبوس. ورث علم الفلك عن ذويه وأجداده وتعلمه بشكل خاص من العالم هيبارخوس النقي حتى وفاته في سنة 150 ميلادي بالقرب من الإسكندرية.

تفسير بطليموس لنظرية الكون

صرح بطليموس بأن الأرض هي مركز الكون وأن الكواكب تدور حولها بطريقة موافقة لأرسطو، ومع ذلك، فإن المسار الذي تسلكه الكواكب في دورانها حول الأرض ليس دائريا كما ادعى أرسطو، بل هو مسار يسمى (epicycle) حيث يدور الكوكب حول مركز معين، ويقوم هذا المركز بدورانه حول الأرض، مما يجعل الأرض مركز المراكز. وبذلك، قدم بطليموس حلا للسؤال المتعلق بسبب دوران الكواكب في اتجاه محدد ثم التحرك في الاتجاه الآخر.

اعتقد بطليموس في فكرة ثبات الأرض وأنها مركزالكون، وأن الأجرام السماوية تدور حول الأرض في أفلاك دائرية مستديرة بحركة دورانية كاملة.

الأفلاك: كانت فكرة بطليموس أن الأجرام السماوية التي تدور حول الأرض تدور في أفلاك سماوية. تشمل هذه الأفلاك القمر في الفلك الأول، وعطارد في الفلك الثاني، والزهرة في الفلك الثالث، والشمس في الفلك الرابع، والمريخ في الفلك الخامس، والمشتري في الفلك السادس، وزحل في الفلك السابع، وأخيرا النجوم الثابتة في الفلك الثامن. وفوق كل هذه الأفلاك، هناك فلك يحيط بكلها، ويطلق عليه عدة أسماء مثل فلك الأفلاك والفلك الأطلس. ومن خلاله يغلق الكون..

أفلاك التدوير: وجد بطليموس أن الأرصاد تخرج نتائج لا تتطابق مع النظرية التي وضعها، لذلك أضاف إلى نظريته دوائر صغيرة تسمى أفلاك التدوير، لتحسين النظرية، ولكنها لم تنج من الانتقادات والملاحظات التي قدمها العلماء، بما في ذلك علماء الفلك المسلمين مثل ابن الهيثم وابن الشاطر والطوسي وغيرهم، والذين كانوا متوقعين سقوط هذه النظرية.

وصف السماء: وصف بطليموس السماء وأجرامها، وأعد جدولا إحصائيا يحتوي على 1،29 نجم وكوكبا سيارا، ووضع جداول لخطوط الطول والعرض لمختلف البلدان، وضمن حساب المثلثات نظرية مهمة جدا.

تصور كوبرنيكوس لنظرية الكون

كما ذكرنا سابقا، فإن النظريات قابلة للتغيير، وبعد أن كانت نظرية بطليموس هي الأساس لمدة تقريبا 14 قرنا، جاءت نهايتها على يد كوبرنيكوس (1473-1543) الذي أعلن عن النظرية الجديدة والتي أصبحت سائدة.

أقل مكانة من المنزعزعة للأرض التي كان بطليموس يعتبرها مركزا لهذا الكون وحولها تدور جميع الأجرام، قام كوبرنيكوس بتهديمها وجعلها مجرد كوكب في مجموعة تعرف بالمجموعة الشمسية، حيث تكون الشمس هي المركز الرئيسي للمجموعة وتدور حولها الأرض التي نعيش عليها نحن وبقية الكواكب السماوية. تعتبر هذه النظرية طريقة للتفكير تذكر البشر بصغرهم في هذا الكون الهائل وبأن الأرض، مع كل ما تحتويه وبكل حجمها، ليست إلا جزءا صغيرا في هذا الكون الواسع.

ومع ذلك، خوف كوبرنيكوس من رجال الدين الذين كانوا يكفرون بالمفكرين جعله يتراجع عن نظرية بطليموس ويصفها بأنها فرضية. لكن غاليليو، الذي كان أكثر شجاعة وشهرة منه، قدم اكتشافات عظيمة، مما دفع المحاكم لتأمره بالتراجع عن أخطائه. وقد اضطر إلى التخلي عن آراء كوبرنيكوس وقضى بقية حياته إما في السجن أو تحت المراقبة، وفي النهاية أصيب بالعمى.

لم يتوقف العلم عندما خاف كوبرنيكوس وواجه تهديدات المحاكم التفتيش، بل استمر في إضاءة طريق جديد للناس، وما زالت الاكتشافات والأبحاث تتوالى لاكتشاف هذا الكون المبدع، وسبحان الله، الخالق المبدع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى