شرح أسماء الله الحسنى لابن عثيمين
شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين أسماء الله الحسنى. فضيلة الشيخ عضو في هيئة كبار العلماء وأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
مقدمة في أهمية معرفة صفات وأسماء المولى عز وجل
أما بعد: يا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واعرفوا صفاته وأسمائه، فإن معرفة ذلك تزيد في الإيمان وتفتح آفاقا جديدة في دين الله، وتجلي الشكر والاعتراف له. ولله تعالى تسعة وتسعون اسما، ومن حفظها وعرف معانيها والتزم بها، ستكون له الدخول إلى الجنة.
شرح أسماء الله الحسنى
1. الحي القيوم
واحد من أسماء الله تعالى هو (الحي القيوم)، وهو أعظم اسم لله، فإذا دعي به فإنه يستجيب، وإذا سئل به فإنه يعطي. إنه الحي الكامل في حياته، حياة لا يسبقها عدم ولا يلحقها زوال. إنه الحي الذي لا يموت، وهو الباقي، وكل شيء على الأرض يفنى ويزول، أما القيوم فهو الذي يقوم بنفسه ولا يحتاج إلى خلقه. وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، لم يزد ذلك شيئا في ملكي. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك شيئا في ملكي. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد وسألوني، لأعطيت كل إنسان ما يسأله، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر. ذلك بسبب كرمي وجودي العظيم وقوتي الفائقة، أفعل ما أريد، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون». وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره، فكل ما في السماوات والأرض مضطر إلى الله، لا يستقيم ولا يثبت ولا يوجد إلا بالله: {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره}.
2. العليم
من أسماء الله الحسنى هو العليم الذي يعلم كل شيء بشكل كامل وتفصيلي، ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء. وقال الله تعالى في سورة الأنعام الآية 59: `وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين`. وفي سورة الحديد الآية 4: `يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير`. وفي سورة لقمان الآية 34: `إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير`.
3. القدير
ومن أسماء الله تعالى (القدير) ذو القدرة الكاملة، فإن الله لا يستطيع أن يعجزه أي شيء في السماوات والأرض، وإذا أراد شيئا، يقول له كن فيكون. هل رأيتم كيف خلق هذا الكون العظيم في ستة أيام ثم استوى على العرش؟ إن الله خلق هذا الكون بأرضه، وسمائه، وشمسه، وقمره، وبحره، وبره، وواحده، وجباله، وأنهاره، وبحاره، وبقوله، وأشجاره، ورطبه، ويابسه، وظاهره، وباطنه، على أحسن نظام وأتمه لمصلحة عباده. إنه خلق كل هذا في ستة أيام، ولو أراد لخلقه في لحظة، ولكنه حكيم يقدر الأمور بأسبابها. أيها المسلمون، إن ما يظهر لنا من قدرته العظيمة أكبر بكثير مما نراه، فقد جاء في الحديث: «إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي الذي يشمل السماوات والأرض، كالحلقة الملقاة في فلاة من الأرض، ونسبة هذا الكرسي إلى العرش كالحلقة الملقاة في فلاة من الأرض». سبحان الله العلي الكبير القوي القدير.
4. السميع البصير
من أسماء الله تعالى `السميع البصير`، فهو يسمع كل شيء ويرى كل شيء. لا يخفى عليه أدق تفاصيل النملة السوداء على الصخرة الصماء في أظلم الليالي. يخلقكم في بطون أمهاتكم بعد خلق آخر، في ظلمات ثلاث. إن صرخت بقولك، فإنه يسمعها، وإن كتمتها في نفسك، فإن صاحبك يسمعها، وإن أخفيتها جيدا، فإنه يسمعها. وأعظم من ذلك أنه يعلم ما يتردد في نفسك وإن لم تنطق به. إن فعلت فعلا ظاهرا، فإنه يراك، وإن فعلت فعلا سريا، حتى لو كنت في أعماق بيت مظلم، فإنه يراك. وإن تحركت بجسمك بأكمله، فإنه يراك، وإن حركت عضوا من أعضاءك، فإنه يراك. وأعظم من ذلك أنه يعلم خيانة الأعين وما تخفيه الصدور.
5. الرحمن الرحيم
ومن أسماء الله تعالى (الرحمن الرحيم)، فكل ما نحن فيه من نعمة فهو من آثار رحمته، معاشنا وصحتنا وأموالنا وأولادنا والليل والنهار والمطر والنبات والأمن والرغد وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وقد قال الله تعالى: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ۗ إن الله لغفور رحيم} [النحل: 18]، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم: {ولله الأسماء الحسنىٰ فادعوه بها ۖ وذروا الذين يلحدون في أسمائه ۚ سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]
6. الملك
الله هو مالك العالم كله، وعلوه وسفله، ولا يتحرك شيء فيه إلا بعلمه وإرادته، وكل ما يسكن فيه من ساكن إلا بعلمه وإرادته. وقد قال تعالى: “هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون” [الحشر: 23]. كما قال: “ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير” [سورة البقرة: 107]. وقال أيضا: “ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، وإليه المصير” [سورة المائدة: 18]
7. القدوس
الله هو الذي تقدس ويتنزه عن النقائص والعيوب، وهو الذي خلق السماوات وما فيها من النجوم والأفلاك، وخلق الأرض وما فيها من البحار والأشجار والجبال والمصالح والأقوات، وخلق كل ذلك وما بين السماوات والأرض في ستة أيام متواصلة دون تعب أو آفات، وقد قال تعالى: “هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس” [سورة الحشر: 23]، وقد قال: “يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم” [سورة الجمعة: 1].
8. الغفور
الذي يغفر الذنوب وإن عظمت ويستر العيوب وإن كثرت وفي الحديث القدسي عنه تبارك وتعالى قال : « يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بملئها مغفرة »، وقال: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [سورة الحجر: 49].
9. الجبار
جبر الله له ثلاثة معان: جبر القوة وجبر الرحمة وجبر العلو. فجبر القوة هو الجبار تعالى، الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، وكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله وجبروته وفي يده وقبضته. أما جبر الرحمة فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، ويكافئهم بالثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا من أجله. أما جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم، يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويعلم ما يتوسون به نفوسهم، وقد قال تعالى: “هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون” [سورة الحشر: 23]
10. المتكبر
ذو الكبرياء والعظمة هو من يتميز بهذه الصفات المميزة، وليس لأحد من المخلوقين القدرة على المنافسة معه في هذا الأمر. ومن يتنافس معه في الكبرياء، فإن الله يعذبه بالذل والهوان. ويحشر المتكبرون يوم القيامة كأنهم الذرة التي يطأها الناس بأقدامهم. وقد قال تعالى: `هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون` [سورة الحشر: 23]