نشأة علم النفس وتطوره
على الرغم من أن النفسية الحديثة تعكس تاريخا غنيا ومتنوعا من التخصصات، فإن أصول علم النفس تختلف بشكل كبير عن المفاهيم الحديثة لهذا التخصص، وللحصول على فهم شامل لعلم النفس، يجب الاستكشاف الجذور والتاريخ الخاص به، وكيفية نشأته وتطوره، ومن هم الأشخاص المسؤولون عن تأسيسه كتخصص مستقل؟
نبذة عن اهتمامات علم النفس
يدرس العلم النفس المعاصر موضوعات متنوعة تتعلق بالسلوك البشري والعملية العقلية من المستوى العصبي إلى المستوى الثقافي، ويتناول علماء النفس القضايا الإنسانية منذ الولادة حتى الوفاة، ومن خلال فهم تاريخ العلم النفس، يمكن الحصول على فهم أفضل لكيفية دراسة هذه الموضوعات وما تم تعلمه حتى الآن .
منذ بداياته الأولى، واجه علم النفس العديد من الأسئلة، وساعد السؤال الأولي حول تعريف علم النفس في تأسيسه كعلم منفصل عن علم وظائف الأعضاء والفلسفة، وتشمل الأسئلة الإضافية التي واجهها علماء النفس عبر التاريخ:
ما هي المواضيع والقضايا التي يجب على علم النفس الاهتمام بها؟
ما هي الطرق التي يجب استخدامها للبحث في دراسة علم النفس؟
– هل علم النفس حقا علم ؟
هل ينبغي تركيز علم النفس على السلوكيات الملحوظة أم على العمليات العقلية الداخلية؟
– هل يجب أن يستخدم علماء النفس الأبحاث للتأثير على السياسة العامة والتعليم وجوانب أخرى من السلوك البشري؟
بدايات علم النفس : الفلسفة وعلم وظائف الأعضاء
على الرغم من أن علم النفس لم يظهر كنظام منفصل حتى أواخر القرن التاسع عشر، يمكن تتبع تاريخه الأقدم إلى زمن الإغريق في وقت مبكر. خلال القرن السابع عشر، طرح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت فكرة الثنائية، التي أكدت أن العقل والجسد هما كيانان يتفاعلان لتشكيل التجربة الإنسانية، والعديد من القضايا الأخرى التي لا يزال يناقشها علماء النفس اليوم، مثل المساهمات النسبية للطبيعة مقابل التنشئة، وهي متجذرة في هذه التقاليد الفلسفية المبكرة .
ما الذي يجعل علم النفس مختلفًا عن الفلسفة ؟ في حين اعتمد الفلاسفة المبكرين على أساليب مثل المراقبة والمنطق ، يستخدم علماء النفس اليوم المنهجيات العلمية لدراسة واستخلاص النتائج حول الفكر والسلوك البشري، وقد ساهم علم وظائف الأعضاء أيضًا في ظهور علم النفس في نهاية المطاف باعتباره نظامًا علميًا، وكان للأبحاث الفيزيولوجية المبكرة على الدماغ والسلوك تأثير كبير على علم النفس ، مما ساهم في نهاية المطاف في تطبيق المنهجيات العلمية على دراسة الفكر والسلوك البشري .
انفصال علم النفس عن العلوم الأخرى
في منتصف القرن التاسع عشر، قام الفيزيولوجي الألماني ويلهلم فوندت باستخدام أساليب البحث العلمي لفحص أوقات الاستجابة، وفي كتابه الذي نشر في عام 1874 “مبادئ علم النفس الفسيولوجي”، تلخص العلاقات الرئيسية بين علم وظائف الأعضاء ودراسة الفكر والسلوك البشري. وبعد ذلك، أنشأ أول مختبر لعلم النفس في العالم في عام 1879 في جامعة لايبزيغ، ويعتبر هذا الحدث بشكل عام نقطة بداية لعلم النفس كنظام علمي منفصل ومتميز .
كيف رأى فوندت مجال علم النفس؟ لقد نظر إلى الموضوع كدراسة الوعي الذاتي وسعى لاستخدام أساليب تجريبية في دراسة العمليات العقلية الداخلية. وعلى الرغم من أن استخدامه لعملية تعرف باسم الاستبطان يعتبر غير موثوق به وغير علمي في الوقت الحاضر، إلا أن عمله المبكر في علم النفس ساعد في إعداد الأسس للتجارب المستقبلية. حضر حوالي 17000 طالب محاضرات فوندت في علم النفس، وعلى الرغم من أن نفوذه تضاءل مع تطور المجال، إلا أن تأثيره على علم النفس لا يزال محترما .
علم النفس في القرن العشرين
شهد علم النفس تغيرا كبيرا في أوائل القرن العشرين، حيث صعدت مدرسة فكرية جديدة تسمى السلوكية إلى السطح، وأصبحت السلوكية هي الأسلوب الرائد في العلم النفسي، وكانت السلوكية تمثل تغييرا كبيرا في النظريات النفسية السابقة، ورفضت التركيز على العقل الواعي واللاواعي، بل سعت السلوكية إلى جعل العلم النفسي أكثر انضباطا علميا عن طريق التركيز فقط على السلوك الذي يمكن ملاحظته .
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ظهرت مدرسة فكرية جديدة تعرف باسم علم النفس الإنساني، والتي غالبًا ما تشار إليها باسم “القوة الثالثة” في علم النفس، وذلك في ظل سيطرة التحليل النفسي والسلوكية على النصف الأول من القرن. وأكدت هذه المدرسة النظرية مفهوم الخبرات الواعية .
علم النفس اليوم
اليوم ، غالبية علماء النفس لا يعرفون أنفسهم بمدرسة فكرية واحدة، بدلا من ذلك ، غالبا ما يركزون على مجال تخصص معين أو منظور معين ، وغالبا ما يعتمد على الأفكار من مجموعة من الخلفيات النظرية، وقد ساهم هذا النهج الانتقائي بأفكار ونظريات جديدة سوف تستمر في تشكيل علم النفس لسنوات قادمة .