الفرق بين الصبر والرضا
كل من الصبر والرضا يعتبران دليلين هامين على قوة إيمان الإنسان، لأنه يجب على المسلم عدم إهمالهما وتجاهلهما. الصبر لا يمكن لأي إنسان تحمله لمرارته، والرضا يعد أعلى مستويات الاستقرار النفسي والهدوء الروحي الذي يحتاجه الجميع لتجربة نكهة الحياة
تعريف الصبر
تختلف بيوت الصبر والرضا، وذلك لأن الصبر هو المنع والحبس، كما عرفه أهل اللغة وعلماء الاصطلاح، ويعني منع الذات عن الجزع والضجر وعدم الرضا بقضاء الله وقدره، ومنع النفس أيضا عن الشكوى من أقدار الله تعالى وحبس الأعضاء عن الأفعال التي لا تليق بذاته، مثل لطم الخدود وشق الجيوب، وكما هو مشهور في إحدى الأمثال: الشجاعة صبر ساعة؛ أي أن الشجاعة والصبر لا ينفصلان. والعكس من الصبر هو عدم الرضا بقضاء الله وتباركه والتضجر والشكوى، وهذا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، لأن المسلم المؤمن يصبر ويترضى بقدر الله تعالى
تعريف الرضا
يصف الرضا المنزلة العظيمة التي يمنحها الله سبحانه وتعالى لعبده، حيث يشعر المؤمن الراضي بالسكينة والطمأنينة والرضا بقضاء الله دون شكوى أو ضجر، حتى وإن كان القضاء مؤلما، وقد يصل المؤمن الراضي إلى درجة لا يدعو الله بزوال الألم الذي يعانيه بسبب رضاه التام عن قضاء الله
الفرق بين الصبر والرضا
الاختلاف بين الصبر والرضا يكمن في أن الرضا يعتبر اختيارا، بينما الصبر يعد واجبا على كل مسلم يؤمن بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وهناك بعض العلماء الذين يفرقون بين الصبر والرضا في التعريف، إذ يؤكدون أن الاثنين يتفقان في حبس النفس ومنع الأعضاء من السخط والتضجر والتشكي، ولكن الفرق بينهما يتمثل في أن الرضا يأتي بعدم انتهاء الألم والحزن الذي يسببه القدر، في حين يكتفي المسلم المصاب بالرضا بالثواب الذي وعده الله عز وجل به في الجنة
كما أن الشخص الذي يشعر بالرضا لا يرغب في تغيير قدره أو حالته، ويحدث الرضا في العديد من الأحيان قبل وقوع الأمر، ومن ناحية أخرى، يأتي الصبر بعد حدوث الأمر أو المصيبة. ويتحدث بعض العلماء عن هذا الموضوع ويقولون إن الرضا يأتي بعد الأمر وليس قبله، وكما ذكر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسألك الرضا بعد القضاء
حكى عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري عن أبيه أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أنبيائه قائلا: إذا أعطيت رزقا مني، فلا تنظر إلى قلته، بل انظر إلى من أهداه إليك، وإذا أصابتك بلية، فلا تشتكي إلى خلقي، كما لا أشكو إليك عندما يصل إلي ما هو سيئ ومخزي، وذكر ذلك في كتاب الزهد والرقائق للخطيب البغدادي
وقال أحد الشعراء فيما يتعلق بالرضا :
ترضى بما يكفيك وتطلب الرضا، فأنت لا تدري هل ستصبح أو تمسي
الغنى ليس في كثرة المال، بل يكون الغنى والفقر من قبل النفس
ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضا
وليت الذي بيني وبينك عامرا وبيني وبين العالمين خرابا
فضل الصبر والرضا
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقل سيدنا ثوبان رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من قال حين يمسي، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، كان حقا على الله أن يرضيه”. وروى ذلك الإمام أحمد في مسنده
قال ابن تيمية، شيخ الإسلام، رحمه الله، فيما يتعلق بالصبر والرضا، إن الصبر على بعض الأمراض والمصائب التي يتعرض لها الإنسان في حياته، مثل الفقر والمرض والذل، يعد من الأمور المستحبة للإنسان، ولم يجعل شيخ الإسلام هذا الرضا واجبا، ولكنه جعل الصبر على تلك الأمور والأقدار واجبا حتميا على كل مسلم، فالضجر والشكوى وعدم الصبر هو عين السخط على الأقدار التي كتبها الله سبحانه وتعالى على عباده .
وهذا يؤكد أن فضل الصبر من الأمور الواجبة، ولكن الرضا هو أعلى درجة من الصبر، ولا يتوجب على الإنسان فعل ذلك، ولكنه يستحب مع مجاهدة النفس بشكل دائم للوصول إلى تلك المرحلة التي تعتبر من كمال الإيمان بالله العلي
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله فيما يتعلق بالصبر والرضا، إن الصبر يزيد المرء تألما وضجرا وحزنا عندما يتعرض لأمور أو ابتلاءات في حياته اليومية، ولكنه، على الرغم من هذا التألم، يستمر في الصبر ولا يتكلم بما يغضب الله تبارك وتعالى، حيث يعلم تماما أن الضجر والسخط ليست محمودة، بل يتوجه بدعاء مستمر قائلا: اللهم أجرني في مصيبتي وأعوضني بخير منها .
تذكر أحداث الصبر، مثل صبر سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه عند وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان أحب إليه من نفسه. لم يحزن ولا تضجر، بل كان راضيا بقضاء الله وقدره، وحاول تهدئة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي كان ينكر خبر وفاة نبي الله تبارك وتعالى. ولكن عندما أخبره سيدنا أبو بكر الصديق بأن من كان يعبد محمدا فقد مات، وأن الله حي لا يموت، عاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلى رشده