كتاب مدارج السالكين هو كتاب مؤلفه العالم أبو عبد الله شمس محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزراعي، المعروف بابن القيم الجوزي، وهو فقيه ومفسر مشهور. يعتبر واحدا من أبرز العلماء في المذهب الحنبلي. سنقوم اليوم بجولة داخل كتاب مدارج السالكين وسنتعرف على بعض المقتطفات التي يحتويها.
ابن القيم
كان ابن القيم من الذين تربوا على المذهب الحنبلي، إذ كان والده يتبع نفس المذهب، وعندما كبر ابن القيم أصبح شابا يافعا ووصل إلى شيخه ومعلمه ابن تيمية، وكان واحدا من تلاميذه المجتهدين الذين يأخذون الكلام عن طريق الأحاديث المؤكدة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
حياة ابن القيم
يتبع ابن القيم منهج شيخه الجليل ابن تيمية، لكنه يحتفظ بآرائه الخاصة في العقيدة والفقه والأصول والأحاديث وغيرها، كما اشتهر بمؤلفاته القيمة في عدة جوانب هامة، منها العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو وغيرها، ومن أهم تلك المؤلفات كتاب “مدارج السالكي.
مقتطفات من كتاب مدارج السالكين
وأما النفاق : فالداء العضال الباطن الذي يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر، فإنه أمر خفي على الناس وكثيرا ما يخفى على من تلبس به فيزعم أنه مصلح وهو مفسد .
وهو نوعان، أكبر وأصغر
فالأكبر : يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به لا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولا للناس يهديهم بإذنه وينذرهم بأسه ويخوفهم عقابه وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر
وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة : فيما يتعلق بالمؤمنين والكفار والمنافقين، فقد ذكر في سورة البقرة أربع آيات عن المؤمنين، وآيتان عن الكفار، وثلاث عشرة آية عن المنافقين، وذلك بسبب كثرتهم وتواجدهم في كل مكان، وبسبب اختبارهم وابتلائهم في الإسلام وأهله. فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا، لأنهم يدعون الانتماء إليه ولكنهم في الحقيقة أعداؤه، ويظهرون عدائهم في كل مجال يحاولون فيه تقويض الإسلام وأهله. ولقد هدموا العديد من معاقل الإسلام، وقلعوا أسس حصونه، وطمسوا علمه، ووضعوا لوائه، وقطعوا آراء الناس فيه. وما زال الإسلام وأهله يعانون من محنتهم وابتلائهم، ولا يزالون يواجهون شبهاتهم ومكائدهم، ويزعمون أنهم يعملون لصالح الإسلام بينما هم في الحقيقة المفسدون، ولكنهم لا يشعرون. هذا ما جاء في الآية رقم 12 من سورة البقرة.
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف : 8 ) اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون : 53 ) (ُيوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام : 112 ).
ولأجل ذلك (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان : درست معالم الإيمان في قلوبهم، لكنهم لا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم، لكنهم لا يعمرونها، وأفلتت كواكبهم النيرة من قلوبهم، لكنهم لا يحيونها، وكسفت شمسهم عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم، لكنهم لا يبصرونها. لم يقبلوا هدى الله الذي أرسل به رسوله، ولم يرفعوا رؤوسهم به، ولم يتحولوا إليه بعقولهم وأفكارهم. بل خلعوا نصوص الوحي عن سلطنة الحقيقة وعزلوها عن ولاية اليقين، وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة. فلا يزالون يخرجون عليها كمينا بعد كمين.
وحشة التفرد…علاجها عدم الالتفات
قال بعض السّلف :”عليك بطريق الحق ،ولا تستوحش لقلة السالكين .وأياك وطريق الباطل ،ولا تغتر لكثرة الهالكين” وكلما استوحشت في تفردك فانظر الى الرفيق السّابق ، واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عمن سواهم فانهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، واذا صاحوا بك في طريق سيرك ، فلا تلتفت اليهم ، انك متى التفت اليهم أخذوك وعاقوك ..
ضربُ مثلينَ رحمه الله وقال وَلِيكُونا منكَ على بالِ.
المثل الأول: رجل خرج من بيته إلى الصلاة، ولم يكن يريد شيئا آخر، فتعرض له في طريقه شيطان من شياطين الإنس، فنطق به بكلمات تؤذيه، فوقف ورد عليه وتحمله. وربما كان الشيطان شيطانا من الإنس
شيطان الإنسان قد يكون أضعف منه، ولكن إذا قهره ومنعه من الوصول إلى المسجد حتى يفوت الصلاة، فربما يكون الإنسان أقوى منه. يجب أن يشغل الرجل نفسه بالصف الأول والاندماج في الجماعة بدلا من مهاجمة شيطان الإنسان. إذا أعطى الإنسان الاهتمام لشيطان الإنسان، فقد يضعف عزيمته. إذا كان الإنسان يعرف ويمتلك المعرفة، فسيزداد سعيه بناء على تفكيره واستيعابه
فإن أظهر عدمالاهتمام به، فليعمل بما يشغله، وليحذر فوات صلاة أو فوات الوقت، فمن يفعل ذلك فليخش الله .
المثل الثاني: يسعى الظبي بجدية أكثر من الكلب، لكن عندما يشعر بالخطر يتوقف ثم يتفرج، ويستغل الكلب هذه الفرصة ويسيطر عليه.
والقصد : يوجد في ذكر هذا الرفيق ما يقلل من الشعور بالوحدة ويحث على المشاركة والانضمام إليهم.