تعتبر الأمراض العقلية من بين الأمور التي تسبب وصمة عار لصاحبها على مستوى العالم، ولذلك فإنها غالبا ما تؤدي إلى تأخير العلاج أو حتى عدم الحصول عليه بسبب الخوف من التمييز.
كذلك، يتعرض مرضى بعض الأمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية للتمييز والوصم المجتمعي بشكل كبير، مما يجعلهم يتجنبون البحث عن أدوات وقاية أو التحدث مع أي شخص يمكن أن يساعدهم في هذا الأمر. وعلاوة على ذلك، يتعرض المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية للتمييز والوصم في جميع قطاعات المجتمع، سواء في مرافق التعليم، أو مكان العمل، أو نظام العدالة.
ويمكن أن تكون عواقب الوصم خطيرة ومدمرة، حيث يصاحب الوصمة عدم فهم الآخرين لحالة الشخص الموصوم ، وهذا الأمر يكون مؤلمًا له ، لكن الوصمة تحمل أيضًا عواقب أكثر خطورة ، بما في ذلك تأجيج الخوف والغضب والتعصب الموجه ضد الآخرين، والأشخاص الذين يتعرضون لوصمة العار هم أكثر عرضة لتجربة:
- العزلة والرفض الاجتماعي
- التحرش والتنمر والعنف
- تدني نوعية الحياة
- تدهور الحالة النفسية.
- زيادة مشاعر الخجل وعدم الثقة بالنفس.
يمكن للإنسان أن يتعرض لتجربة الوصم منذ الصغر ، على سبيل المثال يستمر الجميع في اتهام الطفل بالكذب حتى يصبح ملصقا بهذه الصفة ، ويمكن أن يتحول إلى شخص كاذب فعلا.
قعنا جميعا في فخ القيام بتشويه سمعة شخص ما دون أن ندري، حيث يمكن أن نتهم جارنا بعدم الاجتماعية لعدم رد تحية الصباح، وتؤدي هذه الاتهامات إلى عزلة الجار دون أن ندري، وفي النهاية يمكن أن نكتشف أنه من ضعاف السمع.
نظرية الوصم
تناقش نظرية الوصم الظاهرة المتعلقة بأصحاب السلوك الإجرامي. وقد ظهرت هذه النظرية لأول مرة في كتاب “الانتحار” الذي كتبه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم، وناقش فكرة أن الجريمة ليست مجرد انتهاك لقوانين العقوبات وإنما هي فعل مسيء للمجتمع.
لذلك، ترتبط النظرية بشكل كبير بعلم اجتماع الجريمة، لأن وصم شخصٍ ما بأنه مجرم يجعل الآخرين يتعاملون معه بطريقة أكثر سلبية.
نظرية الوصم مرتبطة بشكل وثيق بالبناء الاجتماعي وتحليل التفاعل الرمزي داخل المجتمع. يرى مؤسس تلك النظرية أن الانحراف ليس سمة جذورية للفرد، بل هو نتاج لتصنيف الأغلبية للأقليات بشكل سلبي أو النظر إلى المنحرفين عن المعايير الثقافية القياسية للمجتمع.
تتناول النظرية كيفية تحديد الهوية الذاتية وسلوك الأفراد وتأثير المصطلحات المستخدمة لوصفهم أو تصنيفهم، وكانت هذه النظرية بارزة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بفضل العالم الاجتماعي هوارد بيكر الذي تأثر بنظرية إميل دوركايم، وما زالت بعض النسخ المعدلة من النظرية شائعة اليوم، وساهم عدد من علماء الاجتماع في تطويرها .
ومن خلال النظرية صنف العلماء الانحراف إلى نوعين وهما:
- الانحراف الأساسي
هو أي سلوك غير اعتيادي يمكن أن يقوم به أي فرد ويكون له تأثير طفيف على الفرد وعلاقته بالمجتمع.
الأشخاص العاديون قد يرتكبون مخالفات صغيرة مثل خرق قواعد المرور، ولكنها لا تؤدي إلى تشويه سمعتهم في المجتمع.
- الانحراف الثانوي
يحدث الانحراف الثانوي نتيجةً لوصم المجتمع وتصنيف شخصٍ كمجرمٍ أو منحرفٍ، ويؤثر هذا الانحراف بشكلٍ كبيرٍ على الشخص وعلاقته بالمجتمع.
يمكن وصف المسار من الانحراف الأساسي للانحراف الثانوي كالتالي:
يُشار إلى الانحراف الأساسي باسم آخر للشخص بأنه منحرف. يستوعب الفاعل التسمية المنحرفة، ثم يحدث الانحراف الثانوي.
شملت تطورات نظرة الوصم في وقت لاحق أصحاب المرض العقلي، بالإضافة إلى بعض المثليين الذين كانوا من بين الفئات الأكثر عرضة للوصم الاجتماعي.
انتقادات نظرية الوسم الاجتماعي
هناك العديد من الانتقادات التي أثيرت حول نظرية الوسم التقليدية والتي ازدهرت بالفعل خلال الستينيات ، وأدت لحدوث تغييرات في السياسة مثل إلغاء المؤسسات للمرضى عقليًا وبرامج تحويل الأحداث، ومع ذلك ، فقد تعرضت للهجوم في منتصف السبعينيات نتيجة لتجاهل من وضعوها لمفهوم الانحراف، وافتراض أن التصنيف أو الوصم للشخص هو فقط الذي يؤدي لجعله منحرفًا دون مراعاة الأسباب الأخرى التي تدفع الأشخاص للانحراف مثل عوامل التنشئة الاجتماعية.
الوصم الاجتماعي واللامساواة
عموما، تشير الأبحاث إلى أن المدارس تعاقب الأطفال السود بشكل متكرر وبقسوة أكبر من الأطفال البيض، على الرغم من عدم وجود أدلة تشير إلى أن الأطفال السود يسيئون التصرف بشكل متكرر أكثر من الأطفال البيض. وعلى الرغم من أن الأطفال السود غير مسلحين ولم يرتكبوا جرائم، إلا أن التمييز العنصري يؤدي إلى تصنيف الأشخاص ذوي البشرة الملونة بشكل خاطئ على أنهم مشاغبون.
بمجرد تصنيف الشخص كمنحرف، يصعب إزالة هذه اللافتة عنه، ويصبح الفرد غير جدير بالثقة في كل الأحوال. على سبيل المثال، قد يواجه المدانون صعوبة في العثور على عمل بعد الإفراج عنهم من السجن بسبب سجلهم الإجرامي، وهذا يجعلهم أكثر عرضة للاستمرار في السلوك الإجرامي
وبالتالي، حتى إذا لم يرتكب الأفراد الذين يُصنفون كمخطئين أي جرائم أخرى، يجب عليهم أن يتعايشوا مع عواقب اعتبارهم مخطئين إلى الأبد.
أنواع الوصم الاجتماعي
يمكن تقسيم وصمة العار إلى نوعين:
- وصمة عار اجتماعية: حيث يتحيز الآخرون تجاه الشخص الموصوم.
- وصمة عار ذاتية: هو الشعور الداخلي للشخص الموصوم الذي يشعر بالحرج الداخلي.
كيف نقلل من تأثير الوصم الاجتماعي
يمكن أن يشكل الوصم الاجتماعي المشكلة الصعبة التي يصعب التغلب عليها، ويمكن للفرد أن يكافح بكل جهده لتحسين صورته أمام المجتمع دون جدوى، وخاصة في المجتمعات الأقل تحضرًا، ويحتاج حل مشكلة الوصم إلى اتخاذ خطوات معينة، مثل:
- يجب تثقيف المجتمع بأنه يتعين معاملة جميع أفراده باحترام وكرامة، وتقديم الدعم والتشجيع لأولئك الذين يظهرون الاستعداد لذلك.
- يجب نقل الحقائق للمجتمع بشأن بعض الأمور التي تسبب عزلة للشخص المصاب، مثل المرض العقلي ومرض نقص المناعة، حيث يمكن التعايش مع مثل تلك الأمراض ولا يجب عزل المريض كما يعتقد البعض.
- يجب أن يشمل المجتمع الجميع، بما في ذلك أي شخص لا يخالف القانون، في المشاركة في الحياة العامة والاستمتاع بالمرافق العامة.
- يحتاج الشخص الموصوم ربما إلى تعزيز ثقته بنفسه، وخاصة إذا كان يعاني من أمراض نفسية أو عقلية.
- قد يحتاج الشخص إلى المساعدة الطبية أو النفسية للتغلب على تأثيرات هذا الوصم، ويجب أن يتعلم كيفية اختيار كلماته بحذر عند التحدث مع الآخرين، لأن طريقة حديثنا تؤثر على موقف الآخرين منا.