شرح حديث الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان لابن عثيمين
معنى حديث الطهور شطر الإيمان لابن عثيمين
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: `إن الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
- عبارة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام `الطهور شطر الإيمان` تعني أنه جزء من الإيمان، أو نصفه، والإيمان هو التخلص والتحلية. ويتجلى التخلص بالطهارة، أما التحلية فتكون بأداء الطاعات. فالطهارة هي جزء من الإيمان، إما بالفعل أو بالامتناع. والامتناع هو التطهر، أما الفعل فهو الاكتساب. وأيضا، المعنى يتضمن التخلص والابتعاد عن الشرك، لأن الشرك بالله تعتبر نجاسة. ولهذا فقط يعتبر الطهور جزءا من الإيمان. وقيل أيضا أن الطهور للصلاة هو جزء من الإيمان، لأن الصلاة لا تتم إلا بالطهارة. ولكن المعنى الأول هو الأقرب والأشمل.
- وقوله: “والحمد لله تملأ الميزان” المقصود به الحمد لله الذي يمتلئ الميزان بها وإن الميزان هو الذي يتم وزن الأعمال به، وقال الله سبحانه وتعالى: ” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ”.
- وقوله: “وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمدُ للهِ تَمْلآنِ – أو تَمْلأُ –“، وقد جاءت أو هنا بسبب شك الراوي فهل قال تملآن ما بين السماء والأرض أو تملأ، ونجد بأن المعنى لا يختلف بتاتاً هنا ولكن بسبب حرص الرواة على تحري الألفاظ.
- وقوله: يتضمن التسبيح `سبحان الله والحمد لله` الإثبات والنفي، فالتنزيه عن كل ما لا يليق بالله سبحانه وتعالى يتجلى في `سبحان الله`، والحمد يؤكد صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، فهو يحمد الله على كماله وإفضاله. كما أن `سبحان الله` هي مصدر سبح وتعني تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من سمات المحدثين أو من صفات النقص، بينما الحمد يكون على كماله ونعمه. ولذلك، يوجد فرق بين الحمد والشكر، حيث أن الشكر يكون مقابل النعم والحمد يكون على صفات الكمال، ويتصل الشكر باللسان والجوارح والقلب، بينما يتصل الحمد باللسان والأفعال.
- وقوله: يعني هذا المصطلح `تملأن أو تملأ ما بين السماء والأرض`، أي أنه يشير إلى أنها تملأ المساحة بين السماء والأرض في جميع المناطق، وأن المسافة بينهما لا يعلمها إلا الله عز وجل.
- وقوله: “الصلاة نور” أي صلاة الفرض وصلاة النافلة هي نور، فهي نور في القلب والوجه والقبر وأيضاً نور في الحشر، فإن في الصلاة الحقيقة التي يتم فيها استحضار القلب والجوارح يشعر المسلم بأن قلبه استنار وتلذذ بحلاوة الخشوع، ولهذا قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ“.
- وقوله: الصدقة” هي المال الذي يتم إخراجه من المسلم للمحتاجين، والهدف من الصدقة هو التقرب من الله سبحانه وتعالى.
- وقوله: البرهان هو دليل على صدق إيمان المسلم الذي يتصدق، حيث أن المال هو شيء قريب للنفس ومحبوب، والشخص لا يبذل المال إلا في طلب ما يحبه، وإذا كان المتصدق يتصدق بصدق وإيمان، فإن ذلك يدل على صدقه وإيمانه، ولهذا سميت الصدقة برهانا، ونبينا عليه الصلاة والسلام سمي الصدقة برهانا.
- وقوله: ” الصبر ضياء” أي يجب أن يحبس المسلم نفسه عما يجب الصبر عنه وعليه، وإن الصبر ضياء لأن الضياء فيه حرارة، وهنا نجد أن رسولنا الكريم لم يقل نور بل قال ضياء، لأن الصبر فيه حرارة مرارة وهو شاق على المسلم ولهذا جُعلت الصلاة نور أما الصبر فهو ضياء، وإن الصبر له ثلاثة أنوع :
- يتميز الصبر عن معصية الله تعالى بكونه النوع الأول وهو حبس النفس عن فعل المحرمات حتى في وجود السبب، مثل الرجل الذي تخيل نفسه يريد الزنا ولكن حبس نفسه وامتنع عن الفعل، وهذا يعتبر صبرًا عن معصية الله تعالى.
- النوع الثاني الصبر على طاعة الله.
- الصبر على أقدار اللهيمثل النوع الثالث.
- وقوله: حبل الله المتين هو القرآن الكريم الذي يكون حجة الله على خلقه، إما لصالحك أو ضدك. لكي يصبح القرآن الكريم حجة لصالحك، يجب أن تقوم بواجبك تجاهه، وتصدق بما فيه، وتطيع أوامره، وتجتنب نواهيه، وعليك أيضا أن تعظم القرآن الكريم وتحترمه.
- وقوله: كل الناس يغدو فبائع نفسه، فإما أن يعتقها أو يهلكها”. والمقصود هو أن الناس جميعهم يبدؤون يومهم بالغداء والعمل، أما الليل فقد جعله الله سكنا، فقال تعالى: “وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه”. ولذلك، يتطهر المسلم في الصباح ويصلي، ويبدأ يومه بعبادة الله عز وجل. فالمؤمن يبدأ بالطهارة والصلاة والنقاء ويتوطد صلته مع ربه، ولذلك يسمى الشخص الذي يبدأ يومه بهذه الطريقة “بائع نفسه”، ولكنه باعها بيعا يعتقها فيه. ولهذا قال “فبائع نفسه فمعتقها”، أما “أو موبقها” فيعني أن الشخص الذي يغدو إلى العمل الذي يؤدي إلى هلاكه هو “بائع نفسه فموبقها.
المعنى العام لحديث الطهور شطر الإيمان
إن قول رسولنا الكريم بأن الطهارة شطر الإيمان يعني التطهر من الجنابة، ويتم التطهر عن طريق الوضوء. وقوله `والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء` يعني أن المؤمن يسعى للصبر لأنه سينير قلبه ويكون ضياء، وأن الصوم هو جنة، لذلك يجب على المسلم أن يجتهد في الصبر لأنه سيكون نورا له في يوم القيامة، وأن القرآن هو حجة له وذلك باتباعه وطاعة الله والاستقامة. وأن `كل الناس يغدو` يعني أنه في هذه الحياة الدنيا يأتي الإنسان ويذهب، وإما أن يكون على طاعة الله وإما أن يكون على طاعة الشيطان. فإذا كان على طاعة الله، سيتحرر من العذاب وإلا فإنه سيهلك ويهلك.
حديث الطهور شطر الإيمان بالتشكيل
حديث الطهور شطر الإيمان هو أحد الأحاديث النبوية الأربعين النووية، ورواه مسلم، وبعض الأشخاص يواجهون صعوبة في قراءة الأحاديث النبوية الشريفة بدون التشكيل، نظرًا لبلاغة وجمال اللغة العربية. ولذلك، سنقوم بتفسير حديث الطهور شطر الإيمان بالتشكيل لتسهيل قراءته وتوضيح معانيه
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ – أَو تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا) .
لماذا كان الطهور شطر الإيمان
إن الله سبحانه وتعالى قد اختار سيدنا محمد بن عبد الله ليكون خاتم الأنبياء والرسل، حيث أنزل عليه القرآن الكريم عن طريق جبريل، لكي يخرج الناس من الضلالة والشرك ويدعوهم لتوحيد الله وعبادته. يتأسس الإسلام على خمسة أركان وهي الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، وحج البيت لمن استطاع الوصول إليه. والطهارة تعتبر جزءا من الإيمان، حيث أنها نصف الصلاة، والصلاة هي ركن من أركان الإسلام، ولا يجوز أداء الصلاة إلا بالطهارة والوضوء. ولذلك يعتبر الطهور نصف الإيمان، بناء على أهميته وتأكيده.