اسلاميات

أنواع الصبر ومراتبة عند ابن القيم

معنى الصبر

الصبر هو حبس النفس، قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}، يعني كن صبورا معهم وتحمل معهم في الصلاة والدعاء لربهم في الصباح والمساء، حيث يسعون لرؤية وجهه. يعني أنك تتحمل الصبر معهم دون الشعور بالحزن والغضب، وأيضا تتحمل كبت لسانك عن التذمر وتجنب ضرب الوجه بالأيدي، وأيضا تتحمل تمزيق الثياب وما شابه ذلك، فالصبر هو توصية من الله للبشر: “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولٰئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ۖ وأولٰئك هم المهتدون. (سورة البقرة ٢٨٣١).

يعني الصبر في اللغة الشرعية حبس النفس عن القيام بشيء أمر الله به أو نهى عنه، وجعل الله فيه الأجر العظيم لمن يريد به مرضاة الله والتقرب إليه، ويتضمن معنى الصبر الامتناع والشدة والظن، وعندما نقول تصبر الرجل، فإن ذلك يعني أنه يتحمل الصبر ويبذل جهده لتحقيقه ويحمل نفسه على اتباع هذا التصرف، والصبر هو الثبات على الكتاب والسنة، ومن ترك الطريق المستقيم وصبر على المصائب والعبادات وامتنع عن المحرمات، فله أجر من الله سبحانه وتعالى.

أنواع الصبر لابن القيم

وفقاً لما ذكره الإمام ابن القيم، فإن الصبر واجب بإجماع الأئمة ويشير هذا إلى أن الصبر هو صفة واجبة يجب أن يتحلى بها المؤمن، ويمكن تصنيفه إلى ثلاثة أنواع وهي:

  • النوع الأول من الصبر هو صبر الله، وهو الصبر الذي يعتمد على الله سبحانه وتعالى ويعتبره المصبِّر الحقيقي، ويؤمن بأن صبر العبد هو بتوفيق الله ومعونته، وذلك كما قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، ويعني بذلك إذا لم يصبرك الله فلن تستطيع أن تصبر.
  • النوع الثاني من الصبر هو الصبر لله، حيث يكون الباعث والدافع له على التحلي بالصبر هو محبة الله وإرادة وجهه، والسعي لمرضاته والتقرب إليه، وليس لإظهار قوة النفس.
  • يتمثل النوع الثالث من الصبر مع الله في دوران العبد مع مراد الله الديني، حيث يكون العبد صابرًا مع أحكام الله الدينية ويتبعها بصبر ويسير على سيرتها.

فإن مرتبة الصبر تكون من مراتب الإيمان، حيث تشبه مرتبة الرأس في الجسد. فإن وجود الإيمان يترافق مع تبني صفة الصبر. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل عيش نعيشه هو تحمل الصبر. وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: “الصبر نور”، وفي الحديث الصحيح: “من دهشت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه “مدارج السالكين” أن الصبر يذكر في ستة عشر موضعا، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: “الصبر في القرآن في ما يقرب من تسعين موضعا، وهو واجب بإجماع الأمة ويشكل نصف الإيمان.

أنواع الصبر الثلاثة

وتتجلى في القرآن والسنة النبوية الشريفة ثلاثة أنواع للصبر وهي:

  • الصبر على الطاعة أي طاعة لله سبحانه وتعالى حيث أن العبد يحتاج إلى الصر لأن النفس البشرية بطبعها تكون نافرة من العبودية، فإن من العبادات التي ممكن أن يكرهها العبد بسبب الكس هي الصلاة، ومنها ما يُكره بسبب البخل مثل الزكاة، والجج والجهاد، ولهذا إن الصبر على الطاعة هي صبر على الشدائد.
  • الصبر عنالمعاصي مهم جداً، والعبد يحتاج إلى ذلك بشدة، وإذا كان الفعل ممكناً فيمكن الامتناع عنه كمعاصي اللسان مثل الغيبة والنميمة والكذب.
  • الصبر في مواجهة المصائب مثل فقدان الأحباب أو الصحة أو العمى وغيرها من البلاءات، يعد أحد أعلى المنازلة بفضل الثقة بالله. وقد روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُصِبْ منه).

مراتب الصبر لابن القيم

لقد ذكر ابن القيم أن للصبر أربعة مراتب وتتجلى في :

  • تتمثل المرتبة الأولى في مرتبة الكمال، وتكون لأولئك الذين لديهم عزيمة قوية وصبر لله واعتماده، فالعبد يقترب من الله سبحانه وتعالى بالصبر ويسعى للوصول إلى وجهه الكريم، ويتبرأ من كل ما حوله ومن قوته، وتعتبر هذه المرتبة والصبر الذي يتطلبها من أعلى المراتب وأفضلها وأكثرها تميزاً.
  • المرتبة الثانية هي عدم وجود لا هذا ولا ذاك، وهي المرتبة الأخس والأدنى من الأخلاق، ويعتبر العبد الذي يحتل هذه المرتبة جديرًا بكل خذلان وحرمان.
  • المرتبة الثالثة وهي المرتبة التي يكون الصبر فيها هو صبر بالله وهو مستعين على حوله وقوته ومتوكل عليها ومتبرئ من حوله هو وقوته، ولكن يكون هذا الصبر ليس لله وإنما هو لنيل مطلوبه والظفر به، وربما كانت عاقبته شر العواقب، وإن في هذه المرتبة يكون خفراء الكفار وأرباب الأحوال الشيطانية، حيث أن صبرهم بالله لا لله ولا في الله.
  • وفي المرتبة الرابعة يكون الصبر هو صبر لله ولكنه ضعيف النصيب من الصبر، والتوكل عليه، ويكون مرادفه الإيمان الضعيف، ورغم ذلك فإن عاقبته حميدة ولكن يكون ضعيفًا ومخذولًا في مطالبه، فنصيبه من الله يكون أقوى من نصيبه بالله، وهذه هي حالة المؤمن الضعيف.

يمكننا القول هنا أن الصبر عندما يكون صبرًا لله وبالله فهو حالة المؤمن القوي، بينما الصبر عندما يكون صبرًا لغير الله فهو حالة الفاجر القوي، والله يحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الضعيف.

مراتب الصبر الخمسة

إن مراتب الصبر هي خمسة مراتب وتتجلى في:

  • صابر، فالصابر أي أعمها
  • ومصطبر أي المكتسب للصبر والمليء به.
  • ومتصبر وهو المتكلف الحامل نفسه عليه.
  • وهو الصبور العظيم الذي يتمتع بصبر أشد من صبر غيره.
  • يتميز الوصبّار بالصبر والقدرة على التحمل، ويتجلى ذلك في الوصف والطريقة التي يتعامل بها.

أقوال ابن القيم عن الصبر

يعرض الإمام ابن القيم رحمه الله بعض الأقواليد الحكيمة حول الصبر والابتلاءات، موضحًا أهمية الصبر، ومن بين هذه الأقوال الحكيمة:

  • الصبر هو طلسم السعادة، فمن يتمكن منه يحصل على السعادة.
  • لا يمكن تحقيق التقوى إلا بالصبر.
  • لا فرحة لمن ليس لديه هم، ولا لذة لمن ليس لديه صبر، ولا نعيم لمن ليس لديه شقاء، ولا راحة لمن ليس لديه تعب.
  •  قد لا يتعرض الإنسان دومًا للابتلاء ليُعَذَّب، ولكن لتكون درسًا لتهذيبه.
  • من يتذوق حلاوة الصحة والعافية، سيجد المرارة في الصبر.

أقوال السلف عن الصبر

: “تعتبر صفة الصبر من الصفات العظيمة، حيث حث القرآن الكريم على تحلي بها وكذلك السنة الشريفة، وقد بين الكثيرون من السلف أهميتها، ومن أقوال السلف عن الصبر:

  • قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل طريقة للحياة هي الصبر، ولو كان الصبر شخصًا لكان كريمًا.
  • قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنَّ الصبر هو من أسس الإيمان، فعندما يُقطَع الرأس، يبقى الجسد مُستقيمًا وصامدًا، ويجب أن يتحلى المسلم بالصبر والثبات في وجه الصعاب والمحن.
  • قال عبدالله بن مسعود: الصَّبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.
  • قال الحسن البصري: الصبر كنز من كنوز الخير، ولا يمنحه الله إلا لعبد كريم وصالح.
  • قال عمر بن عبدالعزيز: إذا أعطى الله عبدًا نعمةً وأخذها منه، فإنه يعوضه بالصبر، ولو كان العوض أفضل مما أخذه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى