سبب نزول الآية ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
{سئلت عن الروح فقل إن الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [سورة الإسراء: 85]، ما هو سبب نزول هذه الآية؟ وهل نزلت في مكة أم في المدينة؟ وما هو الاختلاف بين النفس والروح؟
سبب نزول الآية:
ورد في تفسير القرآن العظيم للإمام العلامة ابن كثير في سبب نزول الآية: عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صل الله عليه وسلم في حرث في المدينة وهو متوكئ على عسيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، قال: فسألوه عن الروح، فقالوا: يا محمد ما الروح؟ فما زال متكئًا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه [أخرجه البخاري ورواه أحمد واللفظ له عن عبد الله بن مسعود].
وفي هذا السياق، يعني أن هذه الآية مكتوبة في المدينة، عندما سأله اليهود عن ذلك، على الرغم من أن السورة بأكملها نزلت في مكة. ويمكن الرد على ذلك بالقول إنها ربما نزلت عليه مرة أخرى في المدينة، بعد أن نزلت في مكة من قبل، أو أنه نزل عليه الوحي ليجيبهم على سؤالهم في الآية السابقة التي نزلت عليه، وهي هذه الآية {ويسألونك عن الروح}. ومن الأدلة على أن هذه الآية نزلت في مكة، ما ذكره الإمام أحمد
عن ابن عباس قال:قالت قريش لليهود: “أعطونا موضوعا نستطيع السؤال عنه حول هذا الرجل”. فقال اليهود: “اسألوه عن الروح”. فسألوه، ونزلت الآية: “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”. فقال اليهود: “لقد أوتينا العلم كثيرا، فلم يكن العلم بحوزتهم سوى التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا”. فأجابهم النبي : “وأنزل الله: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر”. [الكهف: 109].
وقد روى ابن جرير عن عكرمة قال:سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله قوله: `ويسألونك عن الروح`، فقالوا: `تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا` [سورة البقرة: 269]. قال الله: `فنزلت: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله` [سورة لقمان: 27].
وقال محمد بن إسحاق، عن عطاء بن يسار قال:عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وصلت إليه هذه الآية: `وما أوتيتم من العلم إلا قليلا`. وبعد هجرته إلى المدينة، جاءه بعض الأحبار اليهود وسألوه: `يا محمد، ألم تخبرنا أنك تقول `وما أوتيتم من العلم إلا قليلا`؟ هل نستهزأ بنا أم تراجعت فيما تقوله لقومك؟` فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: `كلا، لقد تراجعت`. فقالوا له: `إنك تتلو الكتاب الذي أعطيناه، وهو يحتوي على تفسير كل شيء`. فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: `هذا العلم عند الله قليل، ولكنه أتاكم بما تعملون به لتستفيدوا منه`. ونزلت هذه الآية في القرآن: `ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله` [سورة لقمان: 27].
ما هو المراد بالروح في الآية؟
يقول ابن كثير: وقد حدث اختلاف بين المفسرين في معنى الروح هنا، وذلك حسب قول بعضهم: إن المقصود هو أرواح بني آدم، ويشير ذلك إلى قول ابن عباس حين قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الروح وكيف يتعذب الروح التي في الجسد؟ ولم ينزل عليه في ذلك أي نص. فجاءه جبريل وقال له: “قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.” فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا. فقالوا: من أين جاءك بهذا؟ فقال: جاءني به جبريل من عند الله. فقالوا له: والله ما قال لك إلا عدونا. فأنزل الله قوله: “قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين” [البقرة: 97]
وقيل:الروح في هذا السياق تعني جبريل، وفقا لقول قتادة، ويمكن أن تعني ملكا عظيما بحجم جميع المخلوقات، ويعني قول الله تعالى “قل الروح من أمر ربي” أي أنه يمتلك السلطة والقدرة، ويمتلك معرفة تفوق معرفتكم، ولهذا يقول “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” أي إن علمكم محدود بالنسبة لعلم الله، وما تسألون عنه من أمر الروح هو معرفة محجوزة لدى الله ولم يعلمكم بها، وهذا يشير إلى أنه لم يعطكم إلا قليلا من علمه التي لم يحجزها لنفسه
وقال السهيلي، قال بعض الناس:لم يتم الرد عليهم بسبب تعنتهم في السؤال الذي طرحوه، وقيل إنه تم الرد عليهم، ثم ذكر السهيلي أن هناك خلافا بين العلماء حول ما إذا كانت الروح هي النفس أو شيء آخر، وقد تم التوصل إلى أنها كائن رقيق مثل الهواء يتدفق في الجسد مثل تدفق الماء في أوردة الشجرة، والاعتقاد الصحيح هو أن الروح هي أصل النفس ومادتها، والنفس تتكون منها وتتصل بها بالجسد، فهي جزء منها وليس الكل، وهذا هو المعنى الصحيح، والله أعلم