حياة الإمام ابن كثير الدمشقي
هناك أشخاص سطروا اسمهم في كتب التاريخ بحروف من الذهب وكلمات من النور، وتركوا ما لا يُقدر بثمن من الكنوز، فتركوا علمًا وثقافة انتشرت في العالم كله، وهذه هي أعظم صدقات مستمرة، إذ أن هذا العلم ينفع الناس ويُسطر للأمم من بعدهم حياتهم ويُشرح لهم حلالهم وحرامهم الذي أمر به الله تعالى .
ابن كثير الدمشقي
هو الإمام ( أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع القرشي )، ولد باتفاق العلماء حوالي عام 700 هــ، في قرية مجدل مدينة بصرى بسوريا، وكان والده خطيب مسجد بالمدينة، لذا قد نشأ في بيت ديني ورع، توفى والده وهو في سن صغير عام 703 هــ، ورباه أخوه كمال الدين عبد الوهاب، وفي عام 706 هــ انتقل مع أخيه إلى دمشق، فطلب العلم هناك .
تلقيه للعلم
1- قام ابن كثير بحفظ القرآن الكريم كاملاً في سن العاشرة، عام 711 هـ، وقد حفظ متن التنبيه وتميز وابدع في التفسير، كما حفظ مختصر ابن الحاجب .
2- يحفظ الكثير من الأسانيد والعلل والمتون، ويتميز بمعرفته بالتاريخ ورجاله، ويتميز بمهارته في إقامة المناظرات في مجالات مختلفة مثل الفقه والتفسير والنحو .
3- تلقى العلم على يد شيوخ كثيرة جدا منهم : ابن تيمية، الحافظ أبو الحجاج يوسف المزري، الحافظ أبو عبدالله محمد بن أحمد الذهبي، ابن الشحنة، أبو إسحاق الفزاري، ابن قاضي شهبة، كمال الدين أبو المعالي الزملكاني، محيي الدين الشيباني، شمس الدين الشيرازي، شمس الدين محمود الأصبهاني، عفيف الدين إسحاق ابن يحيى الآمدي الأصبهاني، بهاء الدين عساكر، عفيف الدين الصقلي، أبو بكر محمد الصالحي، محمد بن السويدي .
يشمل قائمة الأسماء التي ذُكرت كمثال أبو عبد الله بن غيلان، الحافظ أبو محمد الدمياطي، موسى بن علي الجيلي، جمال الدين بن الخطيب، محمد بن جعفر اللباد، شمس الدين بن بركات، شمس الدين المقدسي، نجم الدين بن العسقلاني، جمال الدين القلانسي، عمر بن أبي بكر البسطي، ضياء الدين الزربندي النحوي، ومحمد بن الزراد .
مميزاته وصفاته العقلية
ابن كثير تميز بقدرته الكبيرعلى الحفظ بفضل ذاكرته القوية التي سمحت له بحفظ الكثير من العلوم بسهولة وسرعة، دون نسيان .
كان لديه قدرة عالية على الفهم الصحيح، والاستيعاب الكبير، والإدراك والاستنتاج، والذكاء الحاد .
يتميز بسامحة النفس وخفة الروح، مما جعله محبوباً من قبل شيوخه وتلاميذه وطلابه فيما بعد .
كان ابن كثير ملتزمًا بالحق ومعارضًا للبدع، ومنحازًا لكل تفصيلة صغيرة وكبيرة في السنة والكتاب العزيز .
يتمتع ابن كثير بالعديد من الفضائل والقيم والمبادئ التي تجعله حيادياً وموضوعياً، ولا ينحاز إلا للحقيقة، ولا يتعصب بتعصب أعمى .
يتميز خلق ابن كثير بالصبر والحلم وسعة الصدر، والأدب الكبير لشيوخه وتقديرهم، والعطف على تلاميذه ومصادقتهم .
قدرة عقله وذكائه سمحت له بإصدار الفتاوى وتوضيح المسائل الحلال والحرام والمكروه والمستحب عند الله تعالى .
كان يؤمن بأنه على المسلم أن يغير المنكر بالمعروف والنصح الحسن، وأن يقول الحق ولو كان على رقبته، وأن لا يخاف من لومة اللائم عندما يقول الحق، فكان يقيم العدل بين المتخاصمين وينصف المظلوم وينصر الحق ويخالف رغباته ونزواته .
تدريسه للعلم
– لدى ابن كثير عدد من المدارس العلمية القوية في عصره، مثل دار الحديث الأشرفية والمدرسة النجيبية والمدرسة التنكزية والمدرسة الصالحية والمدرسة النورية الكبرى وغيرها .
تلقت تعليمها من عدد من العلماء الذين يتمتعون بثقلهم في العلم، مثل: الحافظ علاء الدين بن يحيى الشافعي، ومحمد بن خضر القرشي، وشرف الدين مسعود الأنطاكي النحوي، ومحمد بن أبي محمد الجزري، ومحمد ابن إسماعيل بن كثير، وابن أبي العز الحنفي، والحافظ أبو المحاسن الحسيني .
3- ألف العديد من الكتب والمؤلفات التي أثرت في علوم الدين، وساعدت الكثير في بيان وتوضيح وتفسير الدين، ومن هذه الكتب كتاب في علوم القرآن، كتاب في السنة وعلومها والذي تناول الأحاديث وتفاسيرها، كتاب في الفقه وأصوله، وفيه أحكام التنبيه والصيام والميراث وغيرها، كتاب في التاريخ والمناقب، وغيرها من المؤلفات .
وفاة ابن كثير
توفى ابن كثير في دمشق، وكان ذلك نحو عام 774 هــ، في يوم السادس والعشرين من شهر شعبان المبارك، وقد دفن في دمشق في مقبرة الصوفية عند شيخ من شيوخه المفضلين له، وهو الشيخ ابن تيمية رحمه الله، ويقال أن جنازته كانت كبيرة وحافلة بكل الأطياف لحبهم لابن كثير وحزنهم عليه، وأنهم دفنوه في تلك المقبرة بالذات بناءا على توصية منه بذلك .