سبب نزول الآية ” والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم “
{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم تعتبر أربع شهادات بالله، إنهم من الصادقين، والشهادة الخامسة هي لعنة الله عليهم، إن كانوا من الكاذبين، ويرفع عنها العذاب إذا قدمت أربع شهادات بالله، إنهم من الكاذبين، والشهادة الخامسة هي غضب الله عليها، إن كانت من الصادقين، ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم}` [سورة النور: 6-10]
سبب نزول الآيات:
عن عباد بن منصور عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] قال سعد بن عبادة – وهو سيد الأنصار- هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟» قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، من شدة غيرته.
فقال سعد: والله يا رسول الله، أنا أدرك تماما أنها الحقيقة وأنها من الله، ولكني استغربت لوجود رجل يسيء لكاعا ويعتدي عليها، فلم أكن سأثير الأمر أو أتحرك حتى أجلب أربعة شهداء. والله، لن أجلبهم حتى يحققوا ما يرغبون. فلم يمض وقت طويل حتى جاء هلال بن أمية، وهو واحد من الثلاثة الذين تم اختيارهم. جاء من أرضه مسرعا في وقت العشاء، وعندما وصل إلى منزله، رأى رجلا عند أهله. رأىه بعينيه وسمعه بأذنيه، ولم يستفزه حتى أصابه.
فغدا على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، جئت لأهلي عشاء، فوجدت عندهم رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره ما جئت به رسول الله، وانتابه الشدة، واجتمع الأنصار فقالوا: لقد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، ويبطل شهادته في المسلمين، والله إني أرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، وقال هلال: يا رسول الله، إني رأيت ما اشتد عليكم مما جئت به، والله يعلم إني صادق.
والله، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يريد أن يأمر بضربه إذا نزل الوحي عليه. وكان إذا نزل الوحي علموا بذلك، يرتجف وجهه، ويعني ذلك: فامسكوه حتى ينتهي من الوحي. فنزلت الآية {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم}. فسر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “أبشر يا هلال، قد جعل الله لك فرجا ومخرجا”. فقال هلال: “قد كنت أرجو ذلك من الله عز وجل”. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “ارسلوا إليها.
فأرسلوا إليها، فجاءت، فتلاها رسول الله صل الله عليه وسلم عليهما وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله يا رسول الله قد صدقت عليها، فقالت: كذب، فقال رسول الله: «لاعنوا بينهما» فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كان في الخامسة: قيل له: يا هلال، اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين،.
ثم قيل لها: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صل الله عليه وسلم بينهما، وقضى ألا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى ألا بيت لها عليه، ولا قوت لها، من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها وقال: «إن جاءت به أصيهب أريسح حمش الساقين، فهو لهلال، وإن جاءت به أورق جعدًا جماليًا خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو الذي رميت به» فجاءت به أورق جعدًا جماليًا خدلج الساقين سابغ الإليتين، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن».
شرح الحديث:
لما نزلت الآية التي توجب على شاهد الزنا أن يأتي بأربعة شهداء اندهش سعد بن عبادة فكيف له أن يرى من خيانة زوجته فيركها ليحضر أربعة شهداء فيشهدوا عليه، فإنه بذلك يترك الفرصة للخائن الذي مع زوجته لقضاء حاجته منها والهرب، ولما غضب رسول الله لطريقة سعد في إلقاء السؤال شرح له المحيطون من أمر غيرته الشديدة على نسائه، ثم يأتي بعدها هلال بن أمية ليخبره أنه شاهد ما شاهد من خيانة زوجته وسمع بأذنيه ما كان منها ولكنه لم يتحرك ولم يخبرها بعلمه، فغضب رسول الله لاعتقاده بأن هلال يرمي زوجته وهي من المحصنات، وقال الرجال من الأنصار أن رسول الله سوف يعزره ويقوم بجلده ولكن يشاء الله أن يطرح عليه الحل الأمثل لهذه المشكلة وهي الملاعنة، وبعد أن تمت الملاعنة بينهما وكأن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يعلم صدق هلال وكذبها أشار بأن الولد إذا جاء أيض مليح الوجه ذو شعر ناعم فينسب لهلال لما كان فيه من شبه هلال، وإن جاء بشعر مجعد وساق خدلج فإنه ينسب للرجل الآخر ولما أراد الله أن يبين كذبها وصدق هلال جاء الولد يشبه أباه وهو الخائن، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم أنه لولا حلفها، لأقام عليها حد الزنا.