تحليل قصيدة يا ليل الصبّ متى غده وشرحها
التعرف بمؤلف قصيدة يا ليل الصبّ متى غده
علي الحصري القيرواني، الذي يعرف أيضا باسم علي بن عبد الغني الفهري الحصري الضرير أبو الحسن، كان شاعرا تونسيا مشهورا من القيروان. ولد ضريرا وعاش في القيروان، وتوفي في طنجة، وحفظ القرآن بالروايات وتعلم اللغة العربية من شيوخ عصره.
أثنى الملوك على المعتمد بن عباد بقصائد وكتب له كتاب “المستحسن من الأشعار”، إذ كان ابن عم خالة إبراهيم الحصري صاحب كتاب “زهر الآداب”، وانتشرت شهرته كشاعر فحل ولفت انتباهالناس بشعره، وجذب طلاب العلم الذين تجمعوا حوله، ودرسوه ونشروا أدبه.
يمتلك مجموعة شعرية بعضها بقي في مخطوط، وقدم قريحة واجتراحًا للجرحى، وكتب مجموعة من الكلمات في مرثية ابنه يحيى وجمعية الحصري بغزال ونسيب، وألَّف عددًا من القصائد الحصرية، وضمت 212 آية في القراءة.
تأثر أبو الحسن علي القيرواني الحصري بفقدان والدته وبصره وهو طفل، وفقدان والده في مرحلة الشباب، وعاش في القيروان وعمل كمدرس وشاعر، وانتقل إلى سبتة وتميز في عالم الشعر، ثم عاد إلى طنجة وبقي هناك حتى وفاته.
تعد قصيدة `يا ليل الصب متى غده` واحدة من أشهر قصائد الحصري، حيث أشاد فيها الأمير أبا عبد الرحمن محمد بن طاهر، صاحب مرسية. تركزت الآيات في هذه القصيدة على المعنى التقليدي للغزل وما يتعلق به من الأرق والشوق، وما يتسبب فيه من الدموع. تستقطب هذه القصيدة العديد من القصائد التي يتعارض معها شعراء العصر الحديث، مثل أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي وبشارة خوري.
أبيات قصيدة يا ليل الصبّ متى غده
يا ليل الصبِّ، متى يأتي غدُه، وأقوام الساعة هي موعده
رَقَـدَ السُّمَّـارُ فَأَرَّقَـهُ * أَسَفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ
فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لـهُ * ممّا يَرْعَاهُ ويَرْصُدُهُ
كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذي هَيَفٍ * خَوْفَ الوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ
نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكَاً * في النَّوْمِِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ
ويكفي أنني صائد للطيور، ويجعلني هذا محط دهشة
صَنَمٌ للفِتْنَةِ مُنْتَصِـبٌ * أَهْوَاهُ وَلا أَتَعَبَّـدُهُ
صَاحٍ والخَمْرُ جَنَى فَمِهِ * سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ
يخرج سيفًا من عينيه، ويبدو وكأنه ينام
فيُسيل دمُ العاشقين بسببه، والويل لمن يقلده
كَلاّ، لا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ * عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَـدُهُ
يا من جحدت عينيه دمي، وتورد على خديه
خَدَّاكَ قَدْ اعْتَرَفَا بِدَمِي * فَعَلامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ
إنني أحميك من قتلي، وأعتقد أنك لن تقصد ذلك
بِاللهِ هَبِ المُشْتَاقَ كَرَىً * فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِـدُهُ
لا يبقى هواك له رمقًا، فليبك عليه عوّاده
مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى * صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِـدُهُ
ربما يأتي غدًا أو بعد غدٍ، فهل يوجد أي نظر يستعد له؟
يا أهل الشوق لنا شرق، يفيض موردنا بالدمع
يَهْوَى المُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ * وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ
ما أحلى الوصل وأعذبه، لولا الأيام التي تنكد عليه
بِالبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ ، فَيَا * لِفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلُّدُهُ
الحُبُّ أَعَفُّ ذَوِيهِ أَنَـا * غَيْرِي بِالْبَاطِلِ يُفْسِدُهُ
تحليل وشرح قصيدة يا ليل الصبّ متى غده
بدأ الشاعر القصيدة بمناداة الليل حيث قال: قال “يا ليل” ثم طرح سؤالا، وقال: “يا ليل متى يكون الغد؟”، لذلك لا يتم إضافة “صباح” إلى “ليل”، حيث يكون كل منهما في حالة رفع، فتقول: “يا ليل متى نلتقي بالحبيب؟” و”متى يكون الليل لمقابلته غدا؟” أو هل سيكون لقاؤهما بعيدا جدا مثل قيام الساعة، كما يوضح في عبارة “رقد السمار”، ويقضي السمران وقتا طويلا في الحديث حتى ساعة متأخرة من الليل، ويقول المخاطب لليل: “حتى السمران ناموا ورقدوا، وأنا حزين لفقدان حبيبي.
الشاعر يصف حالته الحزينة ولياليه المريرة، وينظر إلى السماء والنجوم ويراقبها، حتى بكت النجوم عليه وخففت حالته، ويقارن الحبيب الجميل بالغزال والظبي والشادن بسبب حنان الخصر وسحر عيونهم ورشاقة حركتهم، ومحبوبه رفضت مقابلته خوفا من الافتراء الذي يتكلم به الواشين بسوء، ويقود الشاعر سر أرقه ويقظه نحو الليل والنجوم.
ويشير إلى أنه لم يتمكن من رؤية محبوبه في الواقع، فقد رآه في الحلم، ونظرا لأن محبوبه هو غزال، فقد وضع لنفسه شريكا ليراه ويتفاعل معه. ومع ذلك، فإنه صعب الصيد في الواقع وأيضا في الحلم. لكنه يعتبر قناصا ماهرا، أي من ذوي الخبرة في الصيد. عندما رأى أجمل وأنعم غزال وهو يتحرك بسرعة، لم يتمكن من اصطياده، بل تبعه وسباه.
وبحسب جمال محبوبته، يشبهه صنما ساحرا يثير تمرد الخليقة، وبالتالي فهو يستحق العبادة الحقيقية. ومع ذلك، يرفض الشاعر توحيده ويقول إنه يشعر بالعشق له ولشهواته ولكنه لا يعبده. يوضح الشاعر أن محبوبته تمتنع عن شرب الخمر، وعلى الرغم من ذلك، يرسم الشاعر صورة جميلة وظريفة لعينيه حيث يصفهما بأنهما سكرانتان ومتعجرفتان ولا يعرفان الحقيقة ولا ينكرون الأخطاء، بل يتركهما يشعران بالعربدة، ولكن فقط بالنظر.
يواصل الشاعر ابتكار أفضل الصور إبداعا وروعة ليصف عيون حبيبه ويقول: بمجرد أن ينظر إليه، يخرج السيف من عينه نحوه ليقتله، لكن النعاس الساحر في عينه يعيد ذلك السيف ويغلفه برداء، ومن المعروف أن العين النائمة هي أجمل وأحلى عين، لذا جمع حبيبه العين القاتلة بالعين النائمة، وهذا يمنعهم من القتل.
ومع ذلك، يقوم كل من يحبه أو يعشقه بسفك الدماء حتى لا ينظر إليه في عينيه لفترة طويلة، ويلعن كل من يموت أمام هذه العيون، ويبرر حبيبه بأنه ليس له ذنب ولا مسؤولية على ما حدث، فقد لم يقتل أحد بيده، ولكنه قتل بنظرته، فمنذ متى أصبح المرء مسؤولًا عن نظراته.
بعد كل هذه التحذيرات والاتهامات بحق حبيبه يقول: لم يكن ليقتل محبوبته عمدا، وقد منع نفسه من قتلها، ثم يطلب من محبوبته أن تبتعد عنه، لأن عينيه قد تؤدي به لقتلها بالخطأ أو بدون قصد أثناء الاشتباه، ثم ينهي حديثه معها ويقول: “أدخلني في النوم حتى أراك أو حتى أحلامي تراك، حتى تكون سعادتي ومتعتي”، ويقول لها: “ما يؤذيك إذا تعافيت من إرهاق حبيبك وعاشقك الذي يحاول الاقتراب منك، بينما أنت تبتعدين عنه وترفضين لقائه.
كما يقول أنّ حب محبوبه أرهقه وأصابه بالمرض، ولم يبق له نسمة حياة، وهو كذلك كل يوم، فهو فقط ينتظر رؤيته، لذا سيزيد من قوته وصبره في الحياة، كما يناجي الشاعر عشاق مثله ورواة مشتاقين يتحدثون، فيقول: من كثرة دموعي وسفكها، أشرق معهم، فهل حقق أحد منكم هذا؟ وكل ما يريده الشاعر هو أن يرى حبيبته ، لكن الأقدار والأيام ترفض إلا الفصل بينهما.
يقول: لا شيء يضاهي جمال العلاقة ولقاء الحبيب، ولكن الأيام الحزينة تجلب الفراق والتباعد بين العشاق، ويتعجب الإنسان من صمود قلبه وثباته على مسافة حبيبه، وهو يواجه التحديات مثل السيف نهارًا وفراق حبيبته.
يختم الشاعر قصيدته قصيدته الحلوة والرائعة ببيت يخلده لنفسه، حيث يرمز إلى عفته ونقاوته وعظمته، حيث يقول: أسامح حبيبي وأنا لا ألمسها أو أقربها، ولعل هذا هو سبب بؤسه لأنه اختار أن يسلك طريق العفة مع محبوبته بينما يفسد غيره عذرية الحب ويدنسها بانتهاك قداسة محبوبته وحرمتا من عفته حتى لو كان ذلك برضا محبوبته.
الحب الحقيقي يتمثل في الحفاظ على عفة حبيبتك ونقاوتها، وحمايتها من كل ما يمكن أن يؤذيها، سواء كان ذلك منك أو من غيرك، فالشاعر يعطينا مثالا على الصبر والتحمل مع الحبيب حتى يتمكن من الحصول عليها بطريقة قانونية وأخلاقية.