المحاولة الكويتية في تطبيق التجربة الماليزية
تسعى الكويت للاستفادة من تجربة ماليزيا في الاقتصاد، خاصة في مجال الخصخصة، والخصخصة تعني تحويل ملكية أو إدارة المؤسسة من القطاع العام إلى القطاع الخاص بشكل كامل، ويعد مصطلح الخصخصة حديثا نسبيا، ويطلق عليه عدة مصطلحات أخرى مثل التخصيص أو الخوصصة، وتهتم بها جميع دول العالم سواء كانت متقدمة أو نامية، وعلى الرغم من المفهوم السائد بأن الخصخصة ليست أكثر من عملية شراء المؤسسات الخاصة من القطاع العام، إلا أن مفهوم الخصخصة أعمق وأشمل من ذلك .
المفهوم الشامل لعملية الخصخصة
إن المفهوم الأساسي لعملية الخصخصة هو تحويل ملكية بعض وحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص، إلا أن هذا يحدث لأسباب اقتصادية، وذلك بهدف زيادة الترشيد الاقتصادي ورفع الكفاءة، وبالتالي رفع مجال المنافسة، لذا فالخصخصة فلسفة استراتيجية هدفها تخفيف العبء على القطاع العام، حتى يستطيع التركيز في الأمور الكبيرة، الخاصة بالمصالح السياسية والأمنية للدولة، أما الأمور الأخرى الصغيرة فيمكن للقطاع الخاص الاهتمام بها في إطار قوانين وأنظمة تضعها له الدولة .
التجربة الاقتصادية الماليزية
تعد التجربة الماليزية من أهم وأنجح التجارب على الإطلاق، وهي تعبير واضح عن كم الجهود التنموية التي نبعت من عقول الشعب الماليزي، فهي لم تعتمد على أي مساعدات خارجية، بل وضعت أفكار ونفذتها اعتمادا على تجارب الآخرين والاستفادة منها، مما حقق لها نقلة اقتصادية كبيرة في زمن قصير، وقد وضع هذه الخطة التي سارت عليها ماليزيا، رئيس وزراءها الأسبق الذي لقب بصانع النهضة الأول ( مهاتير محمد ) .
خطط مهاتير محمد الاقتصادية
تولى مهاتير محمد رئاسة الوزراء لماليزيا عام 1981 م، وقد استمر حكمه لمدة 22 عام، حقق فيهم نقلة اقتصادية كبيرة للبلاد، فقد وضع خطط اقتصادية وتنموية أول ما أتيحت له الفرصة لذلك، وحول البلاد من بلاد تعتمد على الزراعة فقط، إلى دولة صناعية كبرى في مقدمات الدول الصناعية، وذلك عن طريق رفع معدلات النمو الاقتصادي بصورة كبيرة، وقد استطاع مهاتير محمد الخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعرضت لها دول جنوب شرق آسيا، دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، ووضع خطة استراتيجية لسير البلاد في حدود الاقتصاد المتاح، وعدم الاعتماد على الدول الأخرى التي تريد استغلال الوضع .
في خطته الاقتصادية، اعتمد مهاتير محمد عدة عوامل مهمة، منها تشجيع الشعب بأكمله على المساهمة في تحقيق النهضة الاقتصادية التي ستخدم الجميع، وذلك عن طريق توفير فرص مناسبة للطبقات الفقيرة، وركز بشكل خاص على التعليم وإدخال التكنولوجيا المتطورة فيه بكافة أشكالها ليتمكن من تحقيق قفزة نوعية وتوفير الوقت. كما أرسل البعثات العلمية إلى الخارج لتبادل المعلومات والثقافات والاستفادة من تجارب الآخرين، وتعزيز الانفتاح على العالم الخارجي ليكون المواطنون مناسبين للدخول في سوق العمل وخفض معدل البطالة إلى أدنى حد .
تطبيق نظام الخصخصة
في ظل استمرار الدولة في تنفيذ الخطط الاقتصادية، تم تطبيق نظام الخصخصة لزيادة فرص التنمية الوطنية، ووضعت خطط تنموية طويلة المدى تستمر لمدة 30 عاما بدءا من عام 1990. تعتمد هذه الخطط على فلسفة التوزيع العادل للتنمية، مما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية بين جميع أقسام المجتمع. وقد ساعد ذلك في ظهور التقدم الملحوظ الذي يشار إليه بعضهم بـ `المعجزة الماليزية` .
بناء على ذلك، تراجعت نسبة الفقر في ماليزيا من 49.3% إلى 16.5% فقط في الفترة من 1970 إلى 1990. وفي الفترة من 1990 إلى 2000، انخفضت نسبة الفقر من 16.5% إلى 7.5%. وفي عام 2005، انخفضت نسبة الفقر إلى أقل من 5%، وبلغ معدل دخل الفرد في ذلك الوقت 10700 دولار سنويا. وفي الوقت الحاضر، يكاد لا يكون هناك فقراء في ماليزيا، حيث لا تتجاوز النسبة 1 أو 2% .
تحاول الكويت تطبيق تجربة ماليزية في مجال الخصخصة
تطلعت الكويت حرصا منها دائما على مواكبة التطور الاقتصادي للبلاد في كافة المجالات، على الاطلاع على التجربة الماليزية في مجال الخصخصة، وقد أرسلت وفد كويتي برئاسة الشيخ فهد سالم الصباح رئيس الجهاز الفني لبرنامج التخصيص، إلى ماليزيا في زيارة رسمية، وذلك للاطلاع على التجربة الماليزية في هذا المجال والاستفادة منها، لمحاولة تطبيقها في الكويت .
وقد اتفق الجانبين الكويتي والماليزي، على التواصل المباشر فيما بينهم للاستفادة من التجارب والخبرات المشتركة بين البلدين، ولا يهتم الجانب الكويتي فقط بالاطلاع على نجاح التجربة الاقتصادية الماليزية في مجال الخصخصة، بل على الصعوبات والمشاق التي واجتهم من خلال تطبيق تجربتهم الاقتصادية الفريدة .