فضل الاعتكاف
الاعتكاف هو الالتزام بالبقاء داخل المسجد للعبادة وتقريبا لله عز وجل، بأي صورة من صور العبادات المشروعة مثل الذكر، والصلاة، وتلاوة القرآن والتفكر. وهو من العبادات القديمة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: “وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين” (سورة البقرة: آية 125)، وقوله تعالى: “فاتخذت من دونهم حجابا” (سورة مريم: آية 17)، وقوله تعالى: “كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا” (سورة آل عمران: آية 37).
قال شيخ الإسلام : وبما أن الله سبحانه أخبر مريم عليها السلام أنها اجتعلت محررة له، وأنها كانت تقيم في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتزعت نفسها من أهلها واستقرت في مكان شرقي واعتزلت عنهم وهذا يشير إلى اعتكافها في المسجد وانعزالها فيه.
وكان الاعتكاف معروفا في الجاهلية ، فقد روى البخاريُّ في صحيحه عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ – قَالَ: أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً: -، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
يدل معنى الكلمة على الإقامة والمواظبة والاحتفاظ بشيء، بدرجة تمنع النفس عن ما يلزمها، ومن هذا المنطلق يأتي الاعتكاف، والذي يدفع الإنسان للتمسك بالعبادة والاقترابمن الله تعالى بشكل مستمر ومتواصل، ويحمل الإنسان نفسه على الاحتفاظ بالعبادة والابتعاد عن الشواغل والمصارف، ويشعر كأنه يحبس نفسه في العبادة ويجبرها عليها.
وعرفه البخاري بقوله : الإقامة في المسجد مع النية التعبدية لله تعالى، فالمعنى الحقيقي للاعتكاف هو الالتزام بالمسجد والبقاء فيه وملازمته، وهذا هو الواجب الشرعي والجوهري للاعتكاف، وما يزيد على ذلك من الصيام وغيره هو شروط الاعتكاف وليس جوهره.
حكمة مشروعية الاعتكاف
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : عندما يكون الشخص ملزما ومتفانيا فقط لأولئك الذين يحبهم ويحترمهم، تماما كما كان المشركون يعبدون أصنامهم وتماثيلهم، وكما ينغمس أهل الشهوات في شهواتهم، فقد فرض الله على أهل الإيمان أن يكونوا مخلصين لربهم السبحان والعلي.
وذلك حتى يبتعد بنفسه عن الشواغل التي تحول بين المرء وبين تفرغه للعبادة لله سبحانه وتعالى ، وتتمثل هذه الشواغل في الفضول الأربعة : فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام . حيث أن فالقدر المناسب من هذه المضرّات الأربعة، ليس مضرّاً، ولكن الزيادة فيها عن حدّ الاعتدال .
يقول الإمام ابن القيّم : إذا كانت القلوب سليمة ومستقيمة على الطريق إلى الله تعالى، وتعتمد على تجمعها في الله وتوجهها الكامل إليه، فإن الشعور بالحاجة إلى الله تعالى هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يلطف القلب المتعثر
الفضول في الطعام والشراب والتعامل مع الناس والكلام والنوم يزيد من الفوضى الداخلية ويشتت الانتباه ويحول بين الشخص وعبادته لله تعالى أو يضعفه أو يعرقله ويوقفه. لذا أقرت رحمة الله عز وجل لعباده الصوم كوسيلة للتخلص من الشهوات الداخلية وتطهير القلب من الشوائب التي تعرقل العبد عن الاقتراب من الله تعالى. وقد شرع الله الصوم بما يتوافق مع المصالح الشخصية، حيث يستفيد العبد منه في الدنيا والآخرة دون أن يضره أو يعرقل مصالحه الحالية والمستقبلية.
وشرع لهم الاعتكاف الذي هدفه وروحه : الاعتكاف هو التفاني في الله تعالى والتفكر فيه والانعزال بين يديه وترك الانشغال بالخلق والانشغال به وحده سبحانه. بحيث يكون ذكره وحبه واهتمامه في محل هموم القلب ومشاكله، حيث يستولي عليه بدلا منها، وتصبح جميع همومه هو، ومشاكله جميعها تتعلق بذكره. والتفكر في تحقيق رغباته وما يقرب منها، فيصبح الانسجام مع الله بدلا من الانسجام مع الخلق، ويعد ذلك له في يوم الوحدة في القبور، عندما لا يكون له أحد يشاركه، ولا شيء يسعده سواه. هذا هو هدف الاعتكاف العظيم .
أهداف الاعتكاف
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هذا العمل العبادي، وهو يتركه كدرس عظيم لأولئك الذين يتبعون نهجه. ويعلم الناس بأهمية الانقطاع والتخلص من الهموم والمسؤوليات، سواء كانوا في مجال الدعوة، أو العلم، أو التربية، أو الجهاد، أو فيما يتعلق بالحياة الدنيا.
يمكن النظر إلى هذه العبادة لتحقيق أمور هامة، ومن بينها
يتعين علينا تعويض كل نقص وتصحيح كل تقصير في علاقتنا مع الله تعالى، سواء بسبب انشغالاتنا الدعوية والعلمية وما إلى ذلك، أو بسبب الأمور الدنيوية مثل الزوجة والأولاد والعمل.
زيادة الارتباط الإيماني بالله، وفتح المزيد من الأبواب التعبدية التي تزكي النفس وتؤهلها لمواجهة الفتن واستنقاذ الآخرين منها بإذن الله.
الإعتكاف فرصة رائعة للطلبة العلماء الذين يعملون بجد في الدراسة والتعليم، وخصوصا أن العقلاء يرفضون تعليم الناس بما ينفعهم ثم يتغاضون عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من علم معرفة، فأنساها، فلله عنده ريحانة من رياض الجنة.
– الاعتكاف موسم عظيم للدعاة والمربين ؛ أولاً : يهدف الهدف الأول من الاعتكاف إلى سد النقص الذي يعاني منه المؤمنون بسبب انشغالهم بالأمور الدنيوية، والهدف الثاني هو استغلال هذه الفرصة لرفع المستوى الروحي والتقوي لدى المعتكفين والمربين. ومن الواضح وجود ضعف عام في نفوس المؤمنين في الجوانب التعبدية والأخلاقية، وبالتالي نحن بحاجة إلى الاستفادة من شهر رمضان وعبادة الاعتكاف لتحسين الصورة العامة من خلال التحدث مع الأفراد.
وهذه فرصة عظيمة لاختبار الإخلاص المحض لله تعالى في جميع الأعمال والحركات والسكنات، وهذه النقطة أكبر من أن تنظر إليها من زاوية فردية؛ فالإخلاص هو محور قبول جميع الأعمال الموافقة للشريعة، ومنها كل ما يتعلق بالدعوة والتربية والتعليم. وإنه من الخسارات العظيمة أن ينفق المرء أمواله وجهده في سبيل تحقيق الأهداف المطلوبة شرعا ويمنع من ذلك بسبب قصور في الإخلاص لدى العاملين؛ ويشكل الإخلاص خطرا عظيما في أوساط الجماعة الواحدة كما هو معروف.
تعتبر فترة الاعتكاف فرصة للاختلاط بالذات والتفكير الفكري، حيث يمكن للداعية تقييم مساره وإنجازاته والتحقق مما إذا كان يسير باتجاه الهدف المحدد أم لا، وما هي نسبة الميل لديه، وهل يحتاج إلى تعديل المسار أم مراجعة الهدف وإعادة صياغته؟ تعتبر الفترة الروحية للخلوة في الاعتكاف فرصة عظيمة لتحقيق الخلوة الفكرية، حيث تصبح النفس أكثر تجردا من الانشغالات والمشاغل، وتتحول إلى مثل يحاكي المثالية، ولأنها محطة توقف عن العمل، فإنه يسهل استئناف العمل بعد الانتهاء منها وفق الطريقة الأسلم.
فضل الاعتكاف
يمكن رصد فضل الاعتكاف في النقاط التالية :
تتمثل التربية في تعلم النفس الإخلاص لله تعالى وتجنب الرياء.
تعود النفس على مراقبة ومحاسبة النفس، ففي الاعتكاف يحاسب الإنسان نفسه على ما فاته ويعيد النظر في أعماله خلال العام الماضي، ويذكر الله تعالى، ويتجدد العزم على المضي قدمًا.
يتم تربية النفس على الذكر والقرآن والتسبيح والتهليل، حتى يتمكن الفرد من الحصول على أجر الورد في المستقبل.
ينبغي تعويد النفس على ترك الشواغل والقواطع عن الله، وترك الدنيا والرفاق والأعمال وغير ذلك، حتى تتعود على الابتعاد عنها.
اترك العادات السيئة مثل التدخين والسهر على القنوات وتناول الطعام والشراب بشكل مفرط.