بحث عن ضوابط التفسير
يعد التفسير من أهم العلوم التي يستخلص منها منهج الحياة، وهو يعتبر في نظر جميع الناس من أفضل العلوم على الإطلاق، ويعني التبسيط للمناهج المختلفة وشرح العبارات الصعبة بأسلوب سهل ومفهوم، حيث يوضح معاني الكلمات المذكورة. ومن خلال علم التفسير يمكن استخراج معاني القرآن الكريم وأحكامه وحكمه، وأخذ العبرة من قصصه، وتجنب النواهي، وتبيان الحق من الباطل. وهناك آراء متعددة من قبل العلماء في موضوع تفسير القرآن، ولكن هناك ضوابط يمكن الاعتماد عليها في عملية التفسير.
هناك قواعد وضوابط تم الاتفاق عليها من قبل العلماء في التفسير. من بين هؤلاء العلماء، شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله، الذي تناول هذه القواعد في كتابه المعروف بعنوان: أصول التفسير. وكذلك القرطبي وابن عاشور اتفقوا على هذه القواعد. يلاحظ أيضا أن الإمام ابن كثير أشار إلى هذه القواعد في تفسيره للقرآن، وأكد أن أصح أساليب التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسيره بالسنة أي أن نعود إلى الأحاديث النبوية الشريفة. وبعد ذلك، نلتجأ إلى التفسير بناء على أقوال الصحابة، ثم أقوال أئمة التفسير، وبعدها نستخدم قواعد اللغة العربية ومعاني الكلمات والأفعال.
الإعجاز في القرآن الكريم
في البداية، يجب على الشخص أن يؤمن بأن القرآن الكريم هو معجزة من الله على الأرض. إنه الكتاب الذي سيورثه الله ومن عليها عندما يأتي زمانه، وهو كتاب يحفظه الله ويكون متاحا لجميع الأمم في مختلف العصور. ومع ذلك، يواجه المسلمون صعوبة في تفسير بعض المفردات عند قراءة القرآن، حيث قد لا يفهمون معاني بعض الكلمات المذكورة فيه. لذا، لا يجوز لأي مسلم أن يفسر القرآن الكريم بدون توفر ضوابط وقواعد شرعية، حتى لا يقع في أخطاء جسيمة. فقد قال الله تعالى في سورة الأنعام، الآية رقم 93: `ومن أظلم ممن افترىٰ على الله كذبا`.
بعض من ضوابط التفسير
تتضمن تفسير القرآن الكريم العديد من القواعد والشروط التي يجب اتباعها، وسنستعرض هنا أهم هذه القواعد:
أولاً: يجب أن يتم اتخاذ العقيدة الصحيحة في الاعتبار، وعدم تفسير الكلام المذكور في القرآن بحسب رأي كل شخص أو وفقًا لأهوائه وميوله، ويمنع تحريف الآيات حتى تتوافق مع معتقدات خاطئة للأشخاص. يجب أن نتبع ما ذكره الصحابة والتابعون مسبقًا بشأن العقيدة الصحيحة.
ثانياً: الإيمان بكلام الله عز وجل: يجب أن يتم اعتبار الكلمات الموجودة في القرآن الكريم صادقة ولا يمكن الجدال فيها بأي شكل من الأشكال، حيث يوجد دليل واضح وصريح على كل ما ذكر فيه، ولذلك يجب عدم وضع الشك فيها، حيث إن الكلمات تحمل معاني واضحة لتوضيح الحقائق. على سبيل المثال، في سورة الفجر الآية رقم 22: (وجاء ربك والملك صفا صفا)، يمكن أن نفهم أن المجيء حقيقة معروفة، ولكن الكيفية غير معروفة، ولذلك عند إثبات هذه الحقيقة يجب أن تكون المصادر تليق بجلالها، وإذا لم يتم اعتبار هذه الحقيقة صادقة فإن ذلك يعتبر إثما وخطأ، ولا يمكن قبول هذا التفسير.
ثالثاً: تفسير القرآن بالقرآن يعني الاعتماد على كتاب القرآن الكريم كأفضل طريقة للتفسير. يقول الله جل وعلا في سورة الحجر الآية رقم 74: `وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل`، وكلمة `سجيل` لها معنى تشير إلى الطين في آية أخرى كما يقول الله تعالى في سورة الذاريات الآية رقم 33: `لنرسل عليهم حجارة من طين`. لذا لا يمكن تفسير كلمة `السجيل` بمعنى غير الطين.
رابعاً: تفسير القرآن بالسنة يعني الرجوع إلى الأحاديث الشريفة والمصادر السنية، والاستناد إليها في تفسير الآيات القرآنية. فعلى سبيل المثال، لتفسير آية رقم 60 في سورة الأنفال، التي تقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، يتم الرجوع إلى حديث شريف عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، الذي قال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فإن القوة في الرمي). وهذا الحديث رواه مسلم.
خامساً: نحن نأخذ في الاعتبار الكلام الوارد في الآية القرآنية، حيث يتم تفسيرها استنادا إلى سياق الآية وربطها بالآيات السابقة واللاحقة. ونقدم مثالا على ذلك في قول الله سبحانه وتعالى في سورة الدخان، الآية رقم 49: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)، لكي نفهم معنى هذه الآية، يجب الرجوع إلى الآية التي سبقتها، وبالتالي يتضح معناها كونها تستخدم للتحقير والإذلال.
سادساً: يجب على المفسر التركيز على معنى الكلمة نفسها وما يتعلق بها، لأن الكلمة قد تحمل أكثر من معنى وذلك يتوقف على السياق الذي تم استخدامها فيه. يجب مراعاة هذا الأمر لتحقيق الدقة في فهم الكتاب الكريم وفهم المعاني والأحكام. مثال على ذلك الآية رقم 104 من سورة آل عمران، حيث يدل النص الصريح في الآية على ضرورة القيام بالأعمال الصالحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن الأشياء المحرمة لتفادي الفساد الأكبر.