يعتبر علم التفسير واحدا من أبرز العلوم الإسلامية وأكثرها دراسة، وهو العلم المختص بشرح القرآن الكريم. التفسير يعني كشف غموض اللفظ على الفور، أما في المعنى المتعارف عليه، فإنه يكشف عن معاني القرآن الكريم ويوضح مقصوده من خلال دراسة شاملة وشمولية. ومع ذلك، لا يقتصر علم التفسير على التوضيح والكشف عن المعنى فحسب، بل يشمل جميع أشكال التعبير في كلمات الآيات وسور القرآن الكريم، والهياكل اللغوية، وشرح العبارات وشرح اللغة، والأحكام، ومناسبة النزول وسبب النزول والناسخ والمنسوخ والتشابه بين الآيات وبين نصوص أخرى. ومنذ نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم، تم التطرق إلى تفسير القرآن الكريم منذ ذلك الحين، حيث يتفسر القرآن بنفسه. ومع ذلك، كان الصحابة رضوان الله عليهم بحاجة إلى شرح بعض الأحكام والأسباب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يوضح لهم. تعرف العلماء العديد من أنواع التفسير المختلفة، سواء كان تفسيرا بالقرآن للقرآن أو تفسيرا بالقرآن الكريم بالسنة المباركة. واتبع الصحابة ومن بعدهم التابعون وتابعو التابعين هذا النهج، وانتشرت المدارس التفسيرية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبدأ عصر تدوين المصنفات وظهرت فروع أخرى من علم التفسير مثل الفقه وأصول الفقه وعلم الكلام واللغة والبلاغة والأحكام ومسائل العقيدة، حتى أصبح علم التفسير علما مستقلا بذاته، بعيدا عن العلوم التي نشأت منه .
ربما من الأسباب التي دفعت إلى تأليف التفسير هو دخول الأشخاص الذين لا يجيدون اللغة العربية إلى الإسلام، وبالتالي كان من الضروري شرح معاني وألفاظ القرآن الكريم، وكانت اللغة العربية ضعيفة بين المسلمين نظرا لتوسع الدولة الإسلامية وتعدد اللهجات. وتم نقل ما يعرف بالتفسير المأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت طرق التفسير عند السلف من العصور الأولى تتضمن التفاسير السابقة للصحابة والتابعين وتابعي التابعين. أما التفسير عند اللاحقين، فاعتمد على شرح التفاسير القديمة واعتمد التفسير التاريخي والعلمي والعددي والمواريث والأحكام. ومن أشهر المؤلفات في علم التفسير عند أهل السنة والجماعة تفسير الطبري وأبو منصور الماتريدي وجلال الدين السيوطي وابن كثير وفخر الدين الرازي والقرطبي والبيضاوي وابن عطية الأندلسي والزمحشري والطبراني، وظهر بعدهم شروح لأمهات كتب التفسير مثل شرح حاشية الجمل على كتاب الإمام السيوطي وشرح أبو حيان الأندلسي والنيسابوري وعلاء الدين الخازن والثعالبي والبروسوي والألوسي وابن باديس، وصولا لعصر الحديث تفسير الشيخ الشعراوي ومحمد سيد طنطاوي وحسنين مخلو .
أهم 10 كتب في تفسير القرآن الكريم :
1- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن : هذه العبارة تتحدث عن “تفسير الطبري” وهو كتاب مؤلفه محمد بن جرير الطبري الذي توفي في عام 310 هجرية، وهو إمام من أئمة أهل السنة والجماعة ومفسر وفقيه مسلم ومؤرخ. يعد هذا الكتاب من أكبر الكتب في التفسير والتاريخ، وقد كان الطبري مجتهدا. ظهرت الطبعات الأولى للكتاب في مصر عام 1321، ومن ثم توالت الطبعات الكثيرة. قام علماء كثيرون بالتحقيق في الكتاب، ومن بينهم عبد الله بن عبد المحسن التركي في الرياض. ومن أقوال العلماء عن كتاب الطبري، قال الإمام جلال الدين السيوطي: “إن تفسير الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري هو الذي يرشد الناظرين إليه ويأمرهم بالاعتماد عليه، إذ إن جميع العلماء المعتبرين اتفقوا على أنه لم يؤلف في التفسير مثله”. وقال الإمام النووي: “للطبري كتاب مشهور في التاريخ وكتاب في التفسير لم يؤلف مثله أحد”. وقد تم ترجمة الكتاب إلى اللغة الفارسية عام 660 هجرية .
2- تفسير الكشاف : أو بتفسير الزمحشري، وهو من كبار المعتزلة وجار الله، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمحشري الخوارزمي النحوي، وهو مؤلف كتاب التفسير الذي يحمل اسمه. ذكر الإمام الزمحشري في بداية كتابه قصة سبب تأليفه، حيث تردد في البداية وتردد في الاستمرار، ثم قرر الكتابة ونشره للناس. ذكر أنه كان يلاحظ التعجب والإعجاب في وجوه الأصدقاء والتلاميذ عند تفسير بعض آيات القرآن الكريم، مما جعلهم يرغبون في تأليف كتاب يجمع ذلك، فاقترحوا عليه أن يملأ لهم وجوه التأويل وحقائق التنزيل، وبعد الرفض في البداية، وافق في النهاية على الكتابة في الحرم المكي، وأخرج الناس تلك الكتاب، وقال شعرا يمدح في تفسيره
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد ** وليس فيها لعمري مثل (كشافي)
إذا رغبت في الهداية، فاعتنق قراءتها؛ فالجهل مثل الداء والمعرفة مثل الدواء
من خصائص تفسيره كان الايضاح والسؤال والجواب. وجد العلماء من المعتزلة أن الكتاب بلاغيا وأدبيا، ولكنه كان مليئا بالاعتذال. قال البلقيني إنه أخرج من الكشاف اعتزاليات بالمناقيش، ولم يكن من أهل الحديث ولا المتمكنين في علم الحديث. لم يتطرق بشكل واسع إلى المسائل الفقهية ولا يميل إلى مذهب الحنفي ولا يتعصب لمذهبه الفقهي. كما أنه تجنب ذكر الأسرائيليات وتجنب الاعتذال في تفسيره. بدلا من ذلك، شرح الأصول الخمسة لمذهب المعتزلة، وهي: العدل، التوحيد، الوعد والوعيد، المنزلة بين منزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- تفسير القرآن الكريم لابن كثير : هو عماد الدين أبو الفداء بن كثير القرشي المعروف باسم ابن كثير توفي في عام 774 هـ، وهو واحد من أشهر العلماء الإسلاميين في مجال علم التفسير. يعتبر تفسيره من بين أهم الكتب المختصة بعلم التفسير، ويعد بعد تفسير الطبري في مرتبة عالية. اختار ابن كثير طريقة التفسير بالرواية وتفسير القرآن بالقرآن، وكذلك باستخدام السنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين والآثار المسندة إلى أصحابها. كان لابن كثير اهتماما كبيرا باللغة وعلومها، وكذلك بدراسة الأسانيد ونقدها، وأيضا بذكر القراءات وأسباب النزول. قدم مقدمة طويلة تتعلق بالقرآن الكريم، وكانت معظم أقواله مستمدة من ابن تيمية الذي ذكره في المقدمة. كان يقوم بتحليل وتقييم الروايات ويصحح بعضها ويضعف بعضها الآخر. كان يولي اهتماما خاصا للروايات الإسرائيلية، وقد عبر عن موقفه تجاهها بأنها ليست جميعها صحيحة، وقال: “وإنما أباح الشارع الرواية عنهم، في قوله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فيما يمكن قبوله بالعقل، أما فيما يتعارض مع العقل ويعتبر باطلا ومعروفا بالكذب، فلا يعتبر من هذه القبيل”. كان يفضل بعض الأقوال ويقدم الدليل لدعمها، وكان يشارك في المسائل والنقاشات الفقهية ويذكر أقوال العلماء ويشرح الآيات. يعود أهمية تفسير ابن كثير إلى أنه كان يؤكد على أهمية الحديث والسند وحكم الحديث، ويفضل بعض الأقوال ويحاول أن يتبنى الرأي الحق بدون تعصب وعدم الاعتماد على الروايات الإسرائيلية، ويسعى لفهم الأحاديث المتعلقة بالآيات بشكل شامل.
4- تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : هو من الكتب الجامعة لتفسير القرآن الكريم كاملًا الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان) المؤلف هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي توفي عام 671 هجرية الف التفسير الجامع لآيات القرآن الكريم جميعها شاملة الاحكام يعد من افضل كتب التفسير التي اهتمت بالأحكام وصف بأنه اجل التفاسير و اعظمها نفعًا ذكر القراءات و الناسخ و المنسوخ قال القرطبي ان سبب التأليف هو :
تفسير القرطبي هو الكتاب الذي يقوم بجمع علوم الشرع، والذي يعتمد على السنة والفرض. نزل هذا الكتاب من السماء إلى الأرض بواسطة رسول الله، وقررت أن أعمل على دراسته طوال حياتي وأن أقدم من خلاله تعليقا موجزا يتضمن تفسيرا، واللغات، والإعراب، والقراءات، والرد على الزائغين والمبتدعين، والكثير من الأحاديث التي تدعم الأحكام وتوضح نزول الآيات، مجمعة معانيها وموضحة ما هو مبهم منها باستشهاد أقوال السلف وتلاميذهم اللاحقين. طريقة التأليف تبدأ بمقدمة تشرح التفسير والتعليق عليه، ثم تأتي الإعراب والقراءات والرد على المبتدعين والأحكام وأسباب نزول الآيات. ومن شروطها إضافة أقوال أصحابها وتجنب قصص المفسرين. القرطبي كان من المذهب المالكي ولكنه لم يكن متعصبا له، بل كان يتبع الدليل فقط .
5- تفسير الجلالين : : قسم الإمامين جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي التفسير القرآني حيث بدأ المحلي بتفسير سورة الكهف وانتهى بسورة الناس وأضاف فاتحة الكتاب، وتوفي قبل اكتمال التفسير بعد وفاة السيوطي الذي بدأ بتفسير سورة البقرة وانتهى بآخر آية من سورة الإسراء، لذلك يعرف التفسير الناتج عنهما باسم “الجلالين”، وقد كان المحلي يفضل الاختصار، واتبع السيوطي هذه الخطوة في تفسيره، وأضيفت عدة حواش واستدراكات على هذا التفسير، من بينها حاشية الجمل وحاشية الكمالين وحاشية العلامة الصاوي والفتوحات الإلهية .
6- تفسير البيضاوي : كتاب انوار التنزيل واسرار التأويل هو تفسير شائع للقرآن الكريم، وقد وضعه القاضي عبد الله بن عمر البيضاوي الذي اشتهر بهذا التفسير وانتشرت شهرته في جميع أنحاء البلاد، واستخدمه العلماء لتدريسه وشرحه. يتميز الكتاب بالبيان والتفسير الشامل لألفاظ القرآن ومعانيه وأعرابه، ويحتوي على تفسيرات كبيرة للحكمة والغوامض واللطائف. واستخدم الكتاب في الأزهر والمعاهد العلمية على مدار العصور، وظهرت العديد من التعليقات التي توضح وتفسر الكتاب، بما في ذلك تعليقات أبو بكر بن الصائع الحنبلي والشيخ محمد بن قرة ومحمد بن عبد الرحمن القاهري الشافعي والشيخ الخطيب والخفاجي والقونوي والسيالكوتي والعارف بالله القوجوي.
7- تفسير المحرر الوحيز في تفسير الكتاب العزيز : توفي ابن عطية الأندلسي في عام 546 هجرية، وفي مقدمة الكتاب قال: “قصدت في هذا التفسير جمع ما هو مهم ومختصر، ولا ذكرت فيه من القصص إلا ما هو ضروري لفهم الآية، وأثبتت أقوال العلماء المعتبرين في المعاني والتفاسير التي نقلتها عن السلف الصالح من وفقهم الله، والتي انتهت إليها الآية بمعانيها العربية السليمة، وأبعدت عنها الأفكار الضالة لأهل البدع والمغالاة، وأشارك في هذا التعليق عندما يأتي اسم عالم معروف بتفسيره ذو معنى يتجه إلى ما يريده الملاحدة، وأشرح التفسير بترتيب الألفاظ في الآية من حيث الحكم النحوي واللغوي والمعنوي والقرائي، وأسعى لتفادي الخطأ والتفسير الخاطئ كما حدث في كتب التفسير السابقة، ورأيت أن تقسيم التفسير وفقا لما صنعه المهدوي يساعد على التفكير والتأمل، وقصدت أيضا ذكر جميع القراءات المشهورة والغير مشهورة، وتفسير كلمات الآية بجميع معانيها المحتملة، وذلك بحسب جهدي وما استطعت تحقيقه من العلم، وبأقصر العبارات وحذف الكلام الزائد الذي لا فائدة منه .
8- تفسير ابن المنذر النيسابوري : هو كتاب تفسير ينتمي إلى طبقات المفسرين، وقد كتبه الإمام النيسابوري في الفترة بين 241 هجرية و318 هجرية. ويعد من أفضل التفاسير، حيث يقوم بنقل ما يثبت من أقوال الصحابة والتابعين، ويعبر عن رأيه في الآيات التي تحتمل الاجتهاد، ويتبع منهج السلف في التفسير بالقرآن والأحاديث النبوية والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين. ويعد التفسير مصدرا من مصادر تفاسير الصحابة والمفسرين.
9- تذكرة الأريب في تفسير الغريب: يتحدث هذا الرقم عن كتاب تفسير القرآن الكريم الذي كتبه الفقيه الحنبلي أبو الفرج بن الجوزية. وفي مقدمة الكتاب، يشير المؤلف إلى أنه يشرح مفاهيم غامضة وصعبة التفسير بطريقة سهلة ومفهومة، ويعد هذا الكتاب تذكرة لأصحاب العقول الباحثة. ويتميز الكتاب بأنه يشرح الغريب في اللفظ والمعنى بشكل واف، مما يميزه عن بقية كتب تفسير القرآن الكريم التي تركز على الغريب في اللفظ فقط.
10- تفسير الغز بن عبد السلام : يتميز تفسير الماوردي المسمى النكت والعيون، الملقب بسلطان العلماء، بجمعه لأقوال السلف والخلف في حجة الأقوال، وبالاهتمام باللغة والكلام والاستشهاد بالشعر، وبعدم كثرة ذكر الأسرائيليات واختصار ذكرها. ولكن يلوم عليه عدم تحديد القراءات إلا في حالات قليلة، وعدم الإشارة إلى نسب الأقوال في بعض الأماكن. ويستخدم في هذا التفسير منهج النقل بالأساس واللغة مرجع، والاختصار مسلك، والوضوح مطلب، وكشف المعنى هو الهدف .