تفسير ” ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام “
{الله لم يجعل أي بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله بالكذب وأكثرهم لا يفهمون. وعندما يقال لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ، يقولون: كفاية ما وجدنا عليه أجدادنا. ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون}” [سورة المائدة: 103-104]
سبب نزول الآية:
جاء في تفسير بن كثير أن هذه الآية نزلت في عمرو بن عامر الخزاعي، وعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد قبيلة جُرْهم، وكان أول من غيَّر دين إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها، كما ذكره اللّه تعالى في سورة الأنعام عند قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام:136] إلى آخر الآيات في ذلك.
وذكر في البخاري عن الزهري، عن عروة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «شاهدت جهنم تحطم بعضها بعضا، ورأيت عمر يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب»، وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وإني شاهدته يجر أمعاءه في النار»
تفسير بن كثير للآيات:
قال البخاري عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال{بَحِيرَةٍ}: البحيرة التي يمنع درُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس،{سَائِبَةٍ}: كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء، قال: وقال أبو هريرة: قال رسول اللّه صل الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قُصْبَه أمعاءه في النار كان أول من سيَّب السوائب» {وَصِيلَةٍ}: الوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل، ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، {وَلَا حَامٍ}: والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه عن الحمل، فلم يحمل عليه شيء، وسموه الحامي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {بَحِيرَةٍ}: فيما يتعلق بالبحيرة: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن، ينظرون إلى الخامس، وإذا كان ذكرا، يذبح ويأكل منه الرجال دون النساء، وإذا كان أنثى، يقطع آذانها ويسمى بحيرة. ويتعلق الأمر بالسائبة: قال مجاهد إنها تشير إلى الغنم التي تنجب عدة فصائل، ولكن إذا ولدت السابعة ذكرا أو ذكرين، يذبح ويأكل منه الرجال دون النساء. وقال محمد بن إسحاق إن السائبة هي الناقة التي ولدت عشر إناث من غير ذكر، وبسبب ذلك، لا يركب عليها ولا يحلب لبنها إلا للضيوف. وقال أبو روق إن الرجل كان يعطي ناقته للطواغيت إذا خرج لتأدية حاجته، وإذا ولدت منها أي شيء، كان يكون للطاغية. وقال السدي إن الرجل كان يعطي شيئا من ماله للأوثان إذا تحققت له حاجة، وكان أي شخص يعرض عليه مثل هذا الأمر يعاقب في الدنيا.
{وَصِيلَةٍ}: وبالنسبة لمعنى الوصيلة، فقد ذكر ابن عباس أن الوصيلة تشير إلى الشاة التي تنجب سبعة أجنة، وعندما تنجب السابعة ينظرون إليها، فإن كانت ذكرا وكانت ميتة، فإن الرجال يشتركون فيها وليس النساء، وإذا كانت أنثى فإنهم يستحيون منها، وإذا كان هناك ذكر وأنثى في نفس البطن، فإنهم يستحيون منهما ويقولون إنها وصيلة أخته، وبالتالي فهي محرمة عليهم. وأضاف محمد بن إسحاق أن الوصيلة هي الشاة التي تلد عشر إناث في خمسة أجنة متتالية، وكل زوجين توأمين من الإناث تلد في كل بطن، وتسمى هذه الشاة الوصيلة، ويتم تركها، وإذا ولدت بعد ذلك ذكرا أو أنثى، فإنه يعتبر للذكور فقط وليس للإناث، وإذا كانت ميتة فإن الرجال يشتركون فيها.
{وَلَا حَامٍ}: بخصوص الحامي، عندما ينجب الفحل لولده، فإنه يحمى ظهره، ويترك بدون حمل أو جزاء، ويسمح له بالرعي وشرب الماء، وإذا كان الحوض ليس ملكه، فلا يمنعونه من استخدامه. يتم وضع ريش الطواويس وسيبوه على الفحل عندما ينتهي عمله في الإنتاج.
{وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}: ما شرعه الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة، ولكن المشركون افتروا ذلك وجعلوه شرعا لهم وقربة يتقربون بها إليه، وليس ذلك بحاصل بل هو وبال عليهم، {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وترك ما حرمه قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك، {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون}: أي لو لم يكون آباؤهم يعرفون أو يهتدون، فكيف يتبعونهم، وهذه الحالة لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.