تفسير الآية ” وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا ” وسبب نزولها
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [سورة الشورى: 51]
سبب نزول الآية
يقول الإمام القرطبي فيه مسألتان: سبب قوله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } هو أن اليهود طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلم الله وينظر إليه كما فعل موسى، وذلك قبل أن يؤمنوا به. فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن موسى لم ينظر إلى الله، فنزل هذا الحكم.
واستنجاز الثاني بهذه الآية عندما يرى أحدهم شخصا يحلف بألا يخاطب رجلا، فيرسل إليه رسولا ليخبره أنه خائن، لأن الرسول يكون معتمدا في هذه الآية ككلام الشخص الذي يرسل إليه، إلا إذا أراد الشخص المحالف مواجهة الآخر بالحديث المباشر. قال ابن المنذر: وقد اختلفوا فيمن تحالف بعدم التحدث مع فلان، ثم تلقى رسالة أو رسولا منه؛ فقال الثوري: الرسول ليس بكلام. وقال الشافعي: يمكن أن يكون مخادعا. وقال النخعي: الحكم يعتمد على الكتاب، وقل له مالك: الحكم يعتمد على الكتاب والرسول. وقال مرة: الرسول أسهل من الكتاب.
وقال أبو عبيد: الكلام هو سوى الخط والإشارة. قال أبو ثور: لا يحنث في الكتاب. قال ابن المنذر: لا يحنث في الكتاب والرسول. قال أبو عمر: ومن حلف ألا يكلم رجلا ثم سلم عليه عامدا أو ساهيا، أو سلم على جماعة هو فيهم فقد حنث في كل ذلك عند مالك. وإن أرسل إليه رسولا أو سلم عليه في الصلاة فإنه لا يحنث. قل: يحنث في الرسول إلا إذا نوى المشافهة، وهذا قول مالك وابن الماجشو.
تفسير الآية
يقول ابن كثير: إن هذه هي مراتب الوحي بالنسبة لجناب الرب، ففي بعض الأحيان يلقى في أحلام النبي وحيا لا يشك في أنه من الله. وذكر في صحيح ابن حبان عن رسول الله أنه قال: `إن روح القدس نفخ في روحي أنه لا تموت نفس حتى تتمم رزقها وأجلها، فاتقوا الله وابذلوا جهدا في البحث.` ويقول الطبري: يقول الله تعالى: `وليس من حق بشر من بني آدم أن يتحدث إليه ربه إلا بالوحي، يوحى الله فيما يشاء أو يلهم.
وقوله تعالى: تعني `{ أو من وراء حجاب }` بأن الله تعالى تكلم بموسى عليه السلام ولكنه حجب عنه الرؤية. وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: `لم يتكلم الله مع أحد إلا وهو خلف حجاب، وتكلم مع أبيك كفاحا`. وقد قتل كفاح في يوم الأحد، ولكن ذلك كان في عالم البرزخ، أما الآية فتتعلق بالدنيا.
وقوله عزَّ وجلَّ: يرسل رسل بإذن الله، مثلما ينزل جبريل على الأنبياء وغيره من الملائكة بالسلام والصلاة. يوحى الرسول بمشيئة الله، وهذا يعني أنه يوحي به بأمور ونواهي وأيضا بالرسالة والوحي. يقال أن هذا الوحي من الرسل هو خطاب منهم للأنبياء، يسمعونه بصوت ملموس ويرونه بأعينهم. وهكذا كان جبريل عندما كان ينزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: “نزل جبريل على جميع الأنبياء، ولكن النبي محمد وعيسى وموسى وزكريا هم الذين رأوه بينما بقية الأنبياء تلقوا الوحي في الأحلام.” وقال: “إنه على دراية عميقة وحكمة بالغة، فهو عليم حكيم.