اسلاميات

اهوال يوم القيامة بالتفصيل

يقول فضيلة الإمام محمد بن صالح بن عثيمين: يوم الحساب يوم فريد، لكنه يدوم خمسين ألف سنة، حسب قول الله تعالى: ﴿سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾، ويعني ذلك أن الكافرين سيعانون العذاب في يوم يدوم خمسين ألف سنة، وفيما يلي بيان تفصيلي لأهوال يوم القيامة

اهوال يوم القيامة بالتفصيل

ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: يروي هذا الحديث أن الله تعالى بعد إتمام خلق السماوات والأرض خلق الصور، وأعطى الملك إسرافيل مهمة نفخ الروح فيها، وهو يضعها على فيه وينتظر أمر الله لينفخ فيها، ويتكون الصور من قرن، وهو عظيم جدا، فتعدل حجمه حجم السماوات والأرض، وينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى للفزع، والثانية للقيام لرب العالمين، وبأمر من الله تعالى، ينفخ إسرافيل في الصورة فينفخ بها نفخة الفزع، ويفزع سكان السماوات والأرض، إلا من شاء الله، ثم يأمره فيطيلها ويديمها، وهو مثل قول الله تعالى: {وما ينظر هـٰؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق}

الله يحرك الجبال فيسيرها كمرور السحاب وتكون كالسراب، ثم يهز الأرض بأهلها فتكون كالسفينة المرمية في البحر التي تضربها الأمواج وتتطاير أهلها كالقنديل المعلق في العرش الذي يرجرجه الرياح. وهو الذي يقول: `يوم ترتجف الأرض برتجفة عظيمة تتبعها الردفة. قلوب الناس في ذلك اليوم مشتتة خائفة.` في ذلك اليوم، يذهب الناس بعيدا وتذهب الممرضات وتسقط الحوامل ويصبح الأطفال شيبا وتهرب الشياطين من الرعب. وعندئذ تأتي الملائكة وتضرب وجوههم، فيرجعون. ويصبح الناس مسيرون مدبرين لشؤونهم بأمر الله، حيث ينادي بعضهم بعضا. وهو الذي يقول الله تعالى في القرآن: `يوم يناديهم فتأتيهم خشعا`

وفيما كانوا في ذلك ، انشقت الأرض من قطر إلى قطر ورأوا أمرا عظيما لم يروه مثله من قبل، فصاحبهم الكرب والهول الذي لا يعلمه إلا الله، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “الأموات لا يعلمون بشيء من هذا الأمر”، فقال أبو هريرة: “يا رسول الله، من استثنى الله عز وجل حين يقول: {ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} ؟”، فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم: “أولئك الشهداء، وإنما يشعرون بالفزع الذي يصيب الأحياء، وهم أحياء عند ربهم ويرزقون، وحفظهم الله من الفزع في ذلك اليوم، وكان ذلك اليوم عذاب الله الذي يرسله على شرار خلقه.

قال: والله الذي يقول: يا أيها الناس، اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة أمر عظيم. يوم تشاهدون هذه الزلزال، تذهل كل أم ترضع وتتخلى عن ما ترضع، وتضع كل حامل حملها، وترى الناس وكأنهم سكارى، وهم ليسوا سكارى، وإنما عذاب الله شديد. وسيقوم الناس في ذلك العذاب بما شاء الله تعالى، إلا أنه سيستمر لبعض الوقت، ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فينفخ بنفخة الصعق ويصيب أهل السماوات والأرض، إلا من يشاء الله، فينتهي الأمر.

وجاء ملك الموت إلى الجبار عَزَّ وجَلَّ فيقول: يقول: “يا رب، قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت”. فيقول الله تعالى: “وهو أعلم بمن بقي؟” فيقول العبد: “يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة العرش، وبقي جبريل وميكائيل، وبقيت أنا”. فيقول الله تعالى: “ليمت جبريل وميكائيل”. فيتحدث الله تعالى إلى العرش قائلا: “يا عرش، ألا يموت جبريل وميكائيل؟” فيقول العرش: “يا رب، أنت المطلع بالحقيقة”، فيقول الله تعالى: “اسكت، فإني كتبت الموت على كل شيء تحت عرشي، فإذا أردت شيئا قلت: كن، فيكون”. فيموت جبريل وميكائيل.

ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول: يا رب، توفي جبريل وميكائيل، فيقول الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: فلتمت حملة العرش. فيموتون، ويأمر الله تعالى بأخذ الصور من إسرافيل، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا رب، توفي حملة عرشك. فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت أنا.

فيقول الله تعالى: أنت خلقت من قلبي، لقد خلقتك كما رأيتك، فارحل. إنك ستموت. وعندما لا يبق سوى الله الواحد، القهار، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، يكون هو النهاية كما كان هو البداية. يطوي السماوات والأرض كطي الصفحة في الكتاب، ثم يدحضهما ثم يلفهما ثلاث مرات، وبعدها يقول: أنا الجبار، أنا الجبار (ثلاث مرات)، ثم يصرخ بصوته: من هو الملك اليوم؟ (ثلاث مرات)، ولا يجيبه أحد. ثم يقول لنفسه: لله الواحد، القهار. يقول الله تعالى: `يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات`، فيمدد السماوات ويمدها كمد الجلد الكبير، بحيث لا يرى فيها تجاعيد ولا تموجات.

ثم يعاقب الله الخلق جميعا في عقوبة واحدة، فيصير موقفهم على هذه الأرض الجديدة كما كانوا في الموقف الأول: من كان في الأرحام يبقى في الأرحام، ومن كان على الأرض يبقى على الأرض. ثم ينزل الله تحت عرشه ماء، ثم يأمر الله السماء بالمطر، فتمطر أربعين يوما حتى يصل الماء فوقهم اثنتي عشرة ذراعا. ثم يأمر الله الأجساد بالنمو، فينمون مثل نباتات الطرائح أو نباتات البقل، حتى يكتمل نموهم ويصبحوا كما كانوا في الأصل. يقول الله عز وجل: “ليحيا حملة عرشي”، فيحيون، ويأمر الله إسرافيل أن يأخذ الأرواح ويضعها فيهم، ثم يقول: “ليحيى جبريل وميكائيل”، فيحيوا.

ثم يدعو اللهَ بالأرواح فيؤتى بها تتوهَّجُ أرواحُ المؤمنين نوراً وأرواح الكافرين ظلمةً، فيقبضها جميعاً ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر اللهُ إسرافيل أَنْ ينفخ نفخة البعث فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواحُ كأَنَّها النَّحْلُ قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول: وعزتي وجلالي ليرجعنَّ كلُّ روحٍ إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجسادِ فتدخل في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السُّمُّ في اللديغ، ثم تنشقُّ الأرض عنهم، وأنا أول من تنشق الأرض عنه، فتخرجون سراعاً إلى ربكم تنسلون {مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} حفاة عراة غرلاً، فتقفون موقفاً واحداً مقداره سبعون عاماً لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكونَ حتى تنقطع الدُّموع، ثم تدمعون دماً وتعرقون حتى يلجمكم العرق أو يبلغ الأذقان، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون مَن أَحَقُّ بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قُبُلاً.

فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، فيستقرئون الأنبياء نبيّاً نبيّاً كُلَّما جاءوا نبيّاً أبى عليهم. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص فأخرّ ساجداً. قال أبو هريرة: يا رسولَ الله وما الفحص؟ قال: قدام العرش، حتَّى يبعث الله إليّ ملكاً فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي: يا محمَّدُ. فأقول: نعم يا رب، فيقول عز وجل: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا ربِّ وعدتني الشَّفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم، قال الله: قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم.

قال رسول الله: فاعود ثم انتظر مع الناس، وأثناء وقوفنا نسمع صوتا عاليا من السماء يتصاعد، ونشعر بالهلع والذهول. فينزل سكان السماء إلى الأرض مثل السكان في الأرض من الجن والبشر، حتى عندما يقتربون من الأرض، تشع الأرض بنورهم ويأخذون مواقفهم، ونسألهم: “هل لديكم رب؟” فقالوا: “لا، وسوف يأتي.” ثم ينزل سكان السماء للمرة الثانية مثل الذين ينزلون من الملائكة ومن سكانها من الجن والبشر، حتى عندما يقتربون من الأرض، تشع الأرض بنورهم ويأخذون مواقفهم، ونسألهم: “هل لديكم رب؟” فيقولون: “لا، وسوف يأتي.” ثم ينزلون بمقدار ذلك من التضعيف.

حتى يأتي العزيز الجبار بظهور من السحاب والملائكة، ويحمل عرشه في ذلك اليوم بثمانية أشخاص، وهم اليوم أربعة فقط. أقدامهم تغطي تربة الأرض السفلى والأرض والسماء حتى يصلوا إلى حدودهم ويحملوا العرش فوق أكتافهم. يتردد لحن من تسبيحهم يقولون فيه: سبحان القوي المتعال، سبحان الملك الحقيقي، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلق ولا يموت، تعظيما وقدسا وتكريسا. سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى الذي يميت الخلق ولا يموت. يضع الله كرسيه في المكان الذي يختاره من أرضه، ثم ينادي بصوته قائلا: يا مخلوقات الجن والإنس، إني استمعت لكم منذ خلقتكم حتى هذا اليوم، أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم. فاستمعوا إلي، فإنما هي أعمالكم وسجلاتكم التي تقرأ عليكم. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

ثم يأمر الله جهنَّم فيخرج منها عنق ساطعٌ مظلم، ثم يقول {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ. هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} أو {بِهَا تُكَذِّبُونَ شك} أبو عاصم {وَامْتَازُوا

الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} فيميز الله الناس وتجثو الأمم، يقول الله تعالى: وسترى كل أمة جاثية، كل أمة دعيت إلى كتابها. اليوم تجزون ما كنتم تعملون. فيقضي الله عز وجل بين خلقه، إلا الثقلين الجن والإنس. فيقضي بين الوحوش والبهائم حتى يقضي للجماء التي فيها قرن. وعندما ينتهي من ذلك، لا يبقى شيء يربط بينهم، فيقول الله لهم: كونوا ترابا، وفي هذه اللحظة يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا.

ثم يقضي اللهُ تعالى: كانت أولوية الخلافة في إنهاء الدماء، وكان كل قتيل في سبيل الله من أول ما يجب التعامل معه، ويأخذ الله عز وجل كل من قتل في سبيله، فيحمل رأسه تشوب أوداجه، ويسأله الله: لماذبحتَ هذا الشخص؟ فيجيبه بقوله: قتلتُه لكي يظهر تمجيدك وعظمتك، فيقول الله له: صدقت، فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس.

من يمر بالملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من قتل بدون حق، فيحمل رأسه وتشخب أوداجه، ويقول: `يا رب، من قتلني؟` فيجيب الله تعالى: `أعلم، لكن لماذا قتلتهم؟` فيقول: `يا رب، قتلتهم لأظهر العزة والقوة.` فيقول الله تعالى: `أحسست بالتعالي، ولا يبقى أحدا من قتيليك إلا سيتم الانتقام منه، ولا يبقى مظلوما بدون أن ينتقم له الله من الظالم، وسيقضي الله بين خلقه حتى لا يبقى مظلوما على أحد، وحتى الشيء الذي يتحول إلى ماء من الحليب سيحاسب عليه.`.

فإذا فرغ الله تعالى: من بين ذلك، نداء صادر من ناد يسمعه الخلق: ها هم يلحقون كل قوم بآلهتهم التي كانوا يعبدونها بجانب الله، فلا يبقى أحد يعبد شيئا سوى الله، إلا أن يتجلى له آلهته أمامه، ويكون في ذلك اليوم ملك من الملائكة يشبه عزير، وملك آخر من الملائكة يشبه عيسى بن مريم، ثم يتبع هؤلاء اليهود وهؤلاء النصارى، ويقود آلهتهم إلى النار. وهو الذي يقول: `لو كان هؤلاء آلهة حقا، لما عبدوها وكانوا سيعيشون فيها إلى الأبد`. فإذا لم يبق إلا المؤمنون، يأتيهم الله بمظهر يشاء من طهارته، فيقول: `يا أيها الناس، تعالوا إلى آلهتكم وما كنتم تعبدون`. فيقولون: `والله، والله ليس لنا إله سوى الله، ولم نكن نعبد غيره`. فيكشف الله لهم عن ساقه، ويظهر لهم بما يعرفونه عن عظمته، أنه ربهم. فيسجدون على وجوههم خاشعين، ويسقط كل منافق على وجهه، ويجعل الله جماجمهم مثل القصب المنحني.

ثم يأذَنُ اللهُ لهم فيرفعون ويضربُ اللهُ الصِّراط بين ظهراني جهنَّم كحدِّ الشفرةِ أو كحدِّ السيفِ عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسكِ السَّعْدَان دونه جسر دحض مزلة، فيمرُّون كطرف العين أو كلمح البرق أو كمرِّ الريح أو كجياد الخيل أو كجياد الرِّكاب أو كجياد الرِّجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوس على وجهه في جهنم.

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة قالوا: من يشفع لنا عند ربنا لندخل الجنة؟ فيقولون: من يستحق ذلك أكثر من أبيكم آدم عليه السلام؟ إذ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وتكلم إليه قبلا. فيلجأون إلى آدم ليطلبوا الشفاعة منه، فيذكر آدم خطيئة ويقول: لست صاحب ذلك، ولكن عليكم اللجوء إلى نوح لأنه أول رسول من الله. فيتوجهون إلى نوح ليطلبوا الشفاعة منه، فيذكر نوح خطيئة ويقول: لست صاحب ذلك، ويقول عليكم اللجوء إلى إبراهيم لأن الله اختاره صديقا. فيتوجهون إلى إبراهيم ليطلبوا الشفاعة منه، فيذكر إبراهيم خطيئة ويقول: لست صاحب ذلك، ويقول عليكم اللجوء إلى موسى لأن الله اقترب منه ونجاه، وتكلم إليه وأنزل عليه التوراة.

فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: لا أنا الذي أقول هذا، ولكن أنصحكم بأن تتبعوا دين الله وتحدثوا إلى عيسى بن مريم. إذا دعيت عيسى بن مريم وطلب منه ذلك، فإنه سيقول: لست بصاحبكم، ولكن اتبعوا محمدا. وقال رسول الله: سيأتونني في الآخرة ولدي ثلاث شفاعات، ووعدتهم بهن. ثم أذهب فأدخل الجنة، وأمسك بحلقة الباب وأستفتح، فيفتح لي ويسعد بقدومي. وعندما أنا في الجنة وأرى ربي، أسجد له وأحمده وأمجده بما لا يحدث لأحد غيري من خلقه، ثم يقول الله: ارفع رأسك يا محمد، فتشفع واسأل، وسيعطى لك.

فإذا رفعتُ رأسي يقول الله تعالى: وهو أعلم: ما هي حالتك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة، حتى يدخلوا الجنة. فيقول الله: قد شفعتك، وأذنت لهم بدخول الجنة. وكان رسول الله يقول: ووالله، لستم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة، سبعين منهم خلقهم الله، واثنتان من نسل آدم. ولهم فضل على من خلقهم الله لعبادتهم. في الدنيا، يدخل الرجل الأول غرفة مصنوعة من الياقوت، على سرير مرصوف باللؤلؤ، وعليه سبعون زوجة من الحرير والإستبرق. ثم يضع يده بين كتفيها، ويلقي نظرة على جميع أجزاء جسدها من صدرها ومؤخرتها وفخذها وجلدها ولحمها. وينظر أيضا إلى ساقها كما ينظر أحدكم إلى الخيط في قصبة الياقوت. يكون لها كبد واحدة وكبدها له مرآة. وبينما هو بجانبها، لا يملها ولا تمله مرارة الحياة. وكلما جاءته مرأة جديدة، تجدها عذراء لا يفتر ذكرها ولا تشتكي منها شيئا قبلها. وعندما يكون في هذه الحالة، ينادى على الرجل قائلا: إنا قد علمنا أنك لا تمل ولا تتعب، ولكن ليس لك زوجات غيرها. فيخرج الرجل ويأتيهن واحدة تلو الأخرى. وكلما جاءته امرأة جديدة، تقول له: والله، لا أرى في الجنة شيئا أجمل منك، ولا أحب إلي منك في الجنة أي شيء.

وإذا وقع أهل النار في النار وقع فيها خلق من خلق ربِّكَ أوبقتهم أعمالُهم، فمنهم من تأخذ النار قدميه ولا تجاوز ذلك ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه إلى حقويه ومنهم من تأخذ جسده كلَّه إلا وجهه حرَّم اللهُ صورته عليها، قال رسولُ اللهِ: فأقولُ يا ربِّ شفِّعني فيمن وقع في النارِ مِنْ أُمَّتِي، فيقول: أَخْرِجُوا من عرفتم فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد. ثم يأذن الله تعالى: في الشفاعة فلا يبقى نبيٌّ ولا شهيد إلاّ شُفِّع، فيقول الله تعالى: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة دينار إيماناً، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحدٌ.

ثم يشفع الله تعالى: فيقول: أخرجوا من وجدتم في قلبه إيماناً ثلثي دينار، ثم يقول: ثلث دينار، ثم يقول: ربع دينار، ثم يقول: قيراط، ثم يقول: حبة من خردل، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيراً قط ولا يبقى أحدٌ له شفاعة إلا شفع، حتى إِنَّ إبليس يتطاول مما يرى من رحمة الله تعالى: رجاءَ أَنْ يُشفَعَ له. ثم يقول: بقيت وأنا أرحم الراحمين.

عندما يدخل يده في جهنم، يخرج منها ما لا يمكن حصره بأعداد أخرى، فهم كالحمم التي تلقى في نهر يسمى نهر الحيوان، فينبتون كالحبات التي تنمو في تيه السيل. فما يلي الشمس منها يكون أخضرا، وما يلي الظل منها يكون أصفرا. فينبتون كنبات الطراثيث حتى يصبحوا مثل الذرات. ومكتوب على رقابهم: الجهنميون عتقاء الرحمن. يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب لم يعملوا خيرا لله قط. فيمكثون في الجنة ما شاء الله، وذلك الكتاب مكتوب على رقابهم. ثم يقولون: ربنا امح عنا هذا الكتاب، فيمحوه الله عز وجل عنهم.” [رواه الطبراني]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى