سيرة كريستينا ملكة السويد غير التقليدية
بعكس الأميرات والملكات اللاتي كانت تتمتع بالأناقة والرقي في الكلام والمشي والزي، أميرتنا لم تتعلم الاتيكيت بل تعلمت الفروسية. لم تعمل على أن تكون ملكة مترفة، بل تعلمت كيف تكون ملكة ذات طابع خاص ومميز. تربت وتعاملت معها على أنها صبي وليس فتاة عادية. إنها الملكة كريستينا السويدية التي أدهشت العالم، فهي واحدة من أذكى النساء اللاتي تربعن على عرش الحكم.
حياة الملكة كريستينا بالطفولة
كانت كريستينا ولدت في الثامن عشر من ديسمبر سنة 1626، لملك السويد غوستافوس أدولفوس وزوجته ماريا إليونورا من براندنبورغ الألمانية. كانت هي الوريثة الشرعية الوحيدة لأبيها الملك، والتي كانت والدتها أميرة ألمانية، ابنة جون سيجموند الناخب براندنبورغ، وهي حفيدة ألبرت فريدريك دوق بوروسيا. تزوجت من غوستافوس أدولفوس ملك السويد على الرغم من معارضة شقيقها الأمير جورج ويليام، الذي أصبح في هذا الوقت حاكما في براندنبورغ،
كانت طفولتها خلال فترة طويلة من البرد في أوروبا، التي كانت تعرف بعصر الجليد الصغير، وفي تلك الفترة، وقعت حرب الثلاثين عاما (1618-1648)، وانضمت السويد إلى بعض الدول البروتستانتية ضد إمبراطورية هابسبورغ، التي كانت قوة كاثوليكية متمركزة في النمسا. ربما كان لدور والد الملكة كريستينا في هذه الحرب إيقاف المد الكاثوليكي إلى الدول البروتستانتية، وكان يعتبر سيد التكتيكات العسكرية وقد قام بالعديد من الإصلاحات السياسية، بما في ذلك توسيع حقوق الفلاحين ونطاق التعليم.
كانت والدتها تشعر بخيبة أمل كبيرة في البداية لأنها أنجبت طفلة فأظهرت لها القليل من المودة، وكان من الجانب الآخر والدها في حالة من الحرب أغلب الوقت، فقد كان يغيب عن ماريا زوجته بشكل كبير، وهذا الغياب زاد من سوء حالتها النفسية، أما عن كريستينا وهي طفلة فقد تعرضت للعديد من الأزمات المشبوهة.
أمر والد كريستينا بمعاملتها كصبي، وأصبحت تتعلم الفنون وعلوم أخرى كثيرة، وأشير إليها بلقب `مينيرفا`، وهو اسم إلهة رومانية ترمز للفنون، وأصبحت العاصمة السويدية ستوكهولم معروفة بلقب `أثينا الشمالية`.
الحروب التي خاضها أبوها جعلت بينه وبين والدتها مشاكل كبيرة، مما دفع كريستينا للعيش مع والدها بعيدا عن أمها. هذا الانقسام بين والديها كان سببا كبيرا في تحديد شخصيتها، حيث شاركت كريستينا في العديد من المساعي الذكورية منذ سن مبكرة، وكان والدها متحمسا لهذا الأمر جدا لكونه يريد تربيتها كصبي، بينما سحبت أمها يدها من تربيتها. هذا الأمر جعل خالتها كاثرين هي الشخص الذي رعاها بشكل أكبر، وهي شخصية مهمة في حياة كريستينا. ومن بين الشخصيات المهمة الأخرى في حياتها أوكسنستيرنا الذي كان يحظى بثقة الملك بشكل كبير، وأصبح من أهم الشخصيات في حياتها بعد مقتل الملك في حرب الثلاثين عاما.
كانت وفاة الملك غوستافوس صدمة لجميع أنحاء أوروبا، حيث كانت الحرب بين الدول البروتستانتية والكاثوليكية في أوجها. وكان الملك غوستافوس يعد قائدًا ملهمًا للجانب البروتستانتي بشكل عام، ولكن المشكلة الحقيقية كانت في الخلافة، حيث كانت كريستين الوريث الشرعي للعرش ولكنها كانت لا تزال صغيرة.
الملكة كريستينا
عندما قُتل الملك في المعركة، أصبحت الفتاة التي تبلغ من العمر ست سنوات فقط ملكة السويد، بعد أن تم استبعاد والدتها التي تم وصفها بأنها هستيرية في حزنها، فأصبح اللورد أكسل أوكسينستيرنا المستشار الأعلى للملك هو الوصي على المملكة حتى أصبحت في سن الرشد، فقد كان أوكسينستيرنا مستشار الملك ومستشار كريستينا أيضاً بعد أن تم تتويجها.
تم إنهاء حقوق والدة كريستينا نهائيًا في عام 1636، وعلى الرغم من محاولات ماريا إليونورا لزيارتها، أمرت الحكومة السويدية بإرسالها إلى الدنمارك ثم إلى منزلها في ألمانيا.
مرحلة ما قبل التتويج في حياة كرستينا
في فترة ولاية المستشار الأعلى لكريستينا، لم تلتزم كثيرًا برأيه وكانت تتبع بشكل أساسي رأيها الخاص، وظهرت نهاية حرب الثلاثين عامًا عندما بلغت ذروتها بالاستسلام واتفاقية وستفاليا عام 1648.
أسست كريستينا محكمة التعليم لأنها كانت تحب الفن والموسيقى والمسرح. وجذب الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت اهتمامها، حيث استثمر جهوده في ستوكهولم لمدة عامين. كان يخطط لتأسيس أكاديمية في العاصمة ستوكهولم، لكنه توفي بالتهاب رئوي في عام 1650، خلال فترة الوصاية قبل تتويجها كملكة. تم تتويجها في عام 1650، حيث أقيم حفل كبير وحضرته والدتها.
العلاقات بحياة الملكة كرستينا
عيّنت الملكة كريستينا كارل ابن عمها غوستاف خليفتها، ويعتقد بعض المؤرخين أنه كانت بينهما علاقة عاطفية في وقت سابق، ولكنها لم تتزوجه ولم تتزوج أحدًا على الإطلاق، وبدلاً من ذلك، ترددت شائعات عن علاقتها بالكونتيسة إيبيل وأنها كانت علاقة مثلية.
من السهل وصف خطابات النجاة الواردة بين الملكة كريستينا والكونتيسة على أنها رسائل حب، وعلى الرغم من صعوبة تطبيق مصطلح المثلية على هذه العلاقة في ذلك الوقت، إذ لم يكن هذا المصطلح شائعا في تلك الفترة، إلا أن هناك أقاويل تشير إلى أنهما كانا يشاركان السرير في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود علاقة جنسية بينهما. وعلى الرغم من زواج الكونتيسة، استمرت الرسائل العاطفية في التبادل بينهما.
تنازل الملكة كرستينا عن العرش
في نهاية عهد الملكة كريستينا، مرت المملكة السويدية والملكة بتحديات في الحكم والضرائب ومشاكل مع بولندا، مما دفعها إلى التنازل عن العرش عام 1654 بعد أن قرر مجلسها إقناعها بالبقاء، لكنها شعرت بالإنهيار وقضت وقتا طويلا في غرفتها، ولم يتوصل المؤرخون إلى سبب واضح لتنازلها عن العرش.
إنجازات الملكة كريستينا
رغم صغرها، كانت السبب الرئيسي في إنهاء حرب الثلاثين عاما، فالسويد لم تكن عازمة على البقاء في الهامش. على الرغم من أن النزاع مع الدنمارك كان مجرد صورة، إلا أن كريستينا لم تكن تهتم به. كانت لديها أولويات أساسية: إحلال السلام في السويد وجعل ستوكهولم عاصمة للثقافة في شمال أوروبا. ومع اندلاع الحرب التي شاركت فيها السويد، كان المستشار الأعلى وصيا على العرش يتصدر المشهد، وقد أرسل ابنه بوهان للتفاوض نيابة عن الملكة والسويد في محادثات السلام. ولكن يوهان أمر بأنه إذا لم تحصل السويد على صفقة جيدة بعد الحرب، فسيستمر الصراع.
كما ذكرنا سابقًا، لم تكن كريستينا تلتزم بمشورة المستشار في الغالب، حتى عندما كانت ملزمة به، ولذلك قامت بإرسال مبعوثها لتأمين السلام، وبالفعل تم الانتهاء من الحرب، وبعد ذلك بدأت رحلتها في نشر الثقافة والفن في السويد وخاصة في العاصمة ستوكهولم.