صحة

مصدر وباء الكوليرا في اليمن

اندلع وباء الكوليرا الأول في منطقة البنغال في الهند، بالقرب من كلكتا، في الفترة من عام 1817 إلى عام 1824، وانتشر المرض بشكل منفصل من الهند إلى جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وشرق أفريقيا عن طريق التجارة، ووصل لأمريكا الجنوبية، حيث بدأ الوباء السادس في الهند. وقد كانت هذه الأوبئة أقل فتكا بسبب فهمنا الأعمق لبكتيريا الكوليرا. تعرضت مصر وشبه الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند والفلبين لأضرار أكبر خلال هذه الأوبئة .

جدول المحتويات

اكتشاف مصدر الكوليرا باليمن

تم اكتشاف المصدر الأكثر احتمالا لوباء الكوليرا في اليمن من قبل العلماء باستخدام التسلسل الجينومي. يقدر العلماء أن سلالة الكوليرا التي تسبب الوباء الحالي في اليمن، والذي يعتبر أسوأ تفش للكوليرا في التاريخ، قد جاءت من شرق أفريقيا ووصلت إلى اليمن مع هجرة الأفراد. تظهر النتائج التي نشرت في 2 يناير في مجلة Nature أن البيانات والتكنولوجيا الجينومية يمكن أن تساهم في تقدير خطر انتشار الكوليرا في المستقبل في مناطق مثل اليمن، وبالتالي تعزيز التدخلات بفعالية. يعاني اليمن من أسوأ وباء للكوليرا منذ بداية التسجيل، حيث أصاب المرض أكثر من مليون شخص وأدى إلى وفاة ما يقرب من 2500 شخص. وتقدر الأمم المتحدة أن 16 مليونا من إجمالي 29 مليون شخص في اليمن يعانون من نقص في المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي الأساسية .

عانى سكان اليمن من انتشار الكوليرا عبر المهاجرين في الفترة من سبتمبر 2016 إلى أبريل 2017. ثم بدأ الانتشار مرة أخرى في أبريل 2017، وتسبب في أكثر من مليون حالة مشتبه بها. لفهم سلالة البكتيريا التي تسببت في هذا الانتشار الكوليري المدمر، قام باحثون من معهد ويلكوم سانجر ومعهد باستور ومعاونيهم بتسلسل جينوم الكوليرا من عينات جمعوها في اليمن والمناطق المجاورة. قام الفريق بتحليل 42 عينة من الكوليرا اليمنية وتم جمعها في اليمن نفسه ومن مركز للاجئين اليمنيين على الحدود السعودية اليمنية، بالإضافة إلى 74 عينة أخرى من الكوليرا من جنوب آسيا والشرق الأوسط وشرق ووسط أفريقيا .

بعد ذلك، قارن الباحثون هذه المتواليات الجينومية مع مجموعة عالمية تضم أكثر من 1000 عينة من الكوليرا المستمرة والمعروفة باسم وباء الكوليرا السابع، والذي بدأ في الستينيات من القرن الماضي بتسبب من سلالة واحدة من الكوليرا تسمى cholerae. اكتشف العلماء أن السلالة التي تسببت في وباء اليمن مرتبطة بسلالة ظهرت لأول مرة في جنوب آسيا عام 2012 وانتشرت عالميا، ولكن السلالة اليمنية لم تأت مباشرة من جنوب آسيا أو الشرق الأوسط. كانت هذه السلالة منتشرة وسببت تفشيا في شرق إفريقيا بين عامي 2013 و 2014 قبل أن تظهر في اليمن عام 2016 .

وباء الكوليرا

صرح البروفيسور نيك تومسون، من معهد ويلكوم سانجر وكلية لندن للصحة والطب المداري، أن استخدام علم الجينوم قد مكننا من اكتشاف أن سلالة الكوليرا التي تسببت في الوباء المدمر والمستمر في اليمن، ترتبط على الأرجح بتنقل الأشخاص من شرق إفريقيا. ومن خلال معرفة كيفية انتشار الكوليرا عالميا، يمكننا التحضير بشكل أفضل لمواجهة الأوبئة في المستقبل، حيث يمكن أن تساعدنا هذه المعلومات في توجيه الاستراتيجيات والتدخلات المستهدفة بشكل أكبر للحد من تأثير الأمراض الوبائية المستقبلية .

وفقا للدكتور فرانسوا كزافييه ويل، رئيس وحدة الجراثيم المعوية البكتيرية في معهد باستور، فإن التحليل الجينومي لا يزال يظهر قدرته على توفير حلا فعالا ورؤية مفصلة للبكتيريا المسببة للكوليرا والضمة الكوليرية. هذا يعتبر أمرا بالغ الأهمية لمكافحتها، مثلما حدث في حالات تفشي الكوليرا الكبيرة في مختلف أنحاء العالم. اكتشفنا أن السلالة الشاذة من البكتيريا المسببة لوباء الكوليرا في اليمن مرتبطة بنسبة وحيدة تعرف بـ 7PET، وهي المسؤولة عن الجائحة العالمية الحالية والمستمرة حتى الآن. لذا، يجب أن نركز جهودنا البحثية وتدخلاتنا المباشرة على هذه النسبة الخاصة من الضمة الكوليرية لتحقيق تأثير أكبر .

سلالات الكوليرا في اليمن

في تناقض مع النظريات السابقة التي تشير إلى وجود سلالتين مختلفتين لتفشي الكوليرا في اليمن، كشفت هذه الدراسة أن التفشي ناجم عن نفس سلالة بكتيريا الكوليرا التي وصلت إلى اليمن في عام 2016. وفي حين أن معظم سلالات الكوليرا المسببة للأوبئة مقاومة للعديد من المضادات الحيوية، اكتشف الفريق في هذه الدراسة أن السلالة اليمنية من الكوليرا تعرضت للعديد من هذه المضادات الحيوية. وصرح الدكتور داريل دومان، العالم الزائر في معهد ويلكوم سانجر والمتواجد حاليا في مختبر لوس ألاموس الوطني في الولايات المتحدة، أنه من المدهش اكتشاف سلالة الكوليرا التي تسببت في تفشي اليمن بأنها أقل مقاومة للمضادات الحيوية من السلالات ذات الصلة .

أدى الإجهاد الذي تسببه وباء الكوليرا في اليمن إلى حذف أربعة جينات مسؤولة عن مقاومة المضادات الحيوية ذات الصلة السريرية، مما يجعلها أكثر عرضة للعلاج، وقد أوضحت الدكتورة ماري-لور كويليسي، عالمة في وحدة البكتيريا الممرضة المعوية في معهد باستور ورئيسة المركز القومي المرجعي لأمراض الكوليرا والكوليرا، أن هذه الدراسة تؤكد مرة أخرى دور المراقبة الميكروبية الجينية والتعاون عبر الحدود في فهم العالم، ويجب على جميع البلدان أن تكون على دراية بهذا الأمر وأن تتصرف على هذا الأساس إذا أرادت تحقيق الأهداف التي وضعتها فرقة العمل العالمية المعنية بمكافحة الكوليرا والتابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي تهدف إلى تخفيض عدد الوفيات الناجمة عن الكوليرا بنسبة 90% بحلول عام 2030 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى