ما هي موارد الدولة الاسلامية في عهد الخلفاء الراشدين
موارد الدولة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام
كانت الموازنة الأولى التي عرفها الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقوم النبي بتسجيل جميع الإيرادات وتقديرها قبل وصولها، وتتمثل هذه الإيرادات في كتابة الصدقات والخمس والخرسان وتقديرها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحتفظ بسجلات للعديد من النفقات والتي يمكن تقديرها، مثل سجلات باسماء المسلمين وذرياتهم، وكان يتم توزيع الإعطاءات والنفقات عليهم، كما كان يخصص ميزانية خاصة للنفقات غير المتوقعة، ويحتفظ بجزء من الإيرادات لمواجهتها عند الحاجة.
تأسيس الدولة الاسلامية في عصر الراشدين
تعتبر عصر الخلفاء الراشدين فترة بداية تأسيس الدولة الإسلامية، وذلك بناء على المبادئ القرآنية والتجربة السياسية التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا فإن الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية لم تكن تجربة سياسية قديمة مثل التجربة الفارسية، ولكنها تجربة تاريخية تأثرت بعدة عوامل، من أبرزها النص القرآني والواقع التاريخي في شبه الجزيرة العربية والتفاعل مع البيئات الأخرى.
من الناحية الاقتصادية، استوحت الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين سياستها الاقتصادية والمنهج العملي من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعكست تصرفات الخلفاء الراشدين اجتهادهم الاقتصادي، ولم يكن هذا الأمر سهلا في البداية، بسبب تعارض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في بعض القضايا الاقتصادية، أو تعارض هذه النصوص مع حاجات الدولة.
اعتمدت دولة الخلفاء الراشدين في بناء الدولة الإسلامية على ذكاء قادتها وقدراتهم العملية، واستفادت من تجربة وخبرات الأقاليم المفتوحة مثل العراق والشام وبلاد فارس.
استنادًا إلى معطيات القرآن الكريم والسنة، بالإضافة إلى التجربة التاريخية المحدودة، حدد الخلفاء الراشدون الموارد الاقتصادية التي تحدد مشارب الدولة، وكانت الزكاة والعشور والفيء والخراج والجزية من بين أهم هذه الموارد الاقتصادية التي حددها الخلفاء الراشدون، وعملوا على تطويرها بشكل مستمر
موارد الدولة الاسلامية في عصر الراشدين
- الزكاة
الزكاة تعتبر واحدة من أهم الموارد المالية التي فرضها الإسلام على أغنى المسلمين، قبل أن تنعم عليهم بالغنائم والفتوحات الواسعة، وقبل أن يذن الله لهم بالقتال. قال تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ۚ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ۚ إن الله غفور رحيم (5) سورة التوبة. هذه الآية أرسست لمفهوم ومشروعية الزكاة ووجوبها على المسلمين. وتعريف الزكاة هو المال الذي يدفعه المسلم عن الأموال التي يمتلكها إذا تجاوزت ثمنا محددا، إما العشور أو نصف العشور. وهي النسبة المفرضة في زكاة الزروع والثمار، وتختلف عن زكاة المواشي والتجارة التي تقدر بربع العشور. وبالتالي، فإن العشور في الغالب تشير إلى زكاة المنتجات الزراعية، في حين يشير الزكاة إلى الواجب الشرعي في الأموال
تشكلت الزكاة من منظور الفكر السياسي الإسلامي كتحد أول واجهه المسلمون بعد وفاة النبي، فقد اعتبر أبو بكر نفسه خليفة رسول الله في الاختصاصات، ورأى أن قول الله لرسوله: `خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم` في سورة التوبة (103)، يعني خطابا موجها لجميع المسلمين وليس للرسول فقط، وبهذا تعارض مع الردة التي ارتدوا عن الإسلام ولم يعتبروا أنفسهم مرتدين، إلا أنهم ارتدوا عن الزكاة.
تفسير أبي بكر الصديق للأحلام ساعد الدولة الإسلامية الناشئة في بناء رأسمالها، واعتمد الخليفة على القوة العسكرية لتنفيذ اجتهاده، ورغم معارضة عمر بن الخطاب لذلك، إلا أن الهدف كان التغلب على ندرة الموارد وضعفها.
- الخراج
الخراج أو الفيء هو مبلغ محدد من قبل الدولة على الأرض، ويتعلق بالمحاصيل والثمار، ويعد ثاني مصدر للدخل في الدولة الإسلامية. تأخر ظهوره حتى خلافة عمر بن الخطاب بسبب قوله تعالى: `اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربىٰ واليتامىٰ والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علىٰ عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ۗ والله علىٰ كل شيء قدير` (سورة الأنفال 41). ولكن الخليفة عمر، المعروف بعدله، استخدم الخراج القار الذي يعود إلى بيت المال، وفرض تكلفة قار على المستوطنين بدون أن يكون جزءا من الضرائب.
يشمل أنواع الخراج أيضًا عوائد الصوافي، والتي تشمل كل أرض كانت لكسرى أو لأهلها أو لرجل قتل في الحرب أو لحق بأرض الحرب، وتعود هذه الأراضي إلى ملكية الدولة وتكون تحت تصرفها، وبلغت قيمة خراج هذا النوع من الأراضي في خلافة عمر رضي الله عنها 7 ملايين درهم.
أثبتت التطورات التاريخية صحة اجتهاد عمر في الخلافة ونجاحه الاقتصادي والسياسي، حيث زادت تكاليف الدولة الإسلامية في فترة حكمه واستخدم الخراج لمواجهة الأزمات المالية التي شهدتها الخلافة، وأحدث خليفة عمر تغييراًجذرياً في السياسة المالية للدولة الإسلامية
- الجزية
الجزية هي من الموارد المالية للدولة الاسلامية التي نص عليها القرآن، قال تعالى: “قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ” وفرضت على اهل الذمة من اليهود والنصارى، وثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم بأخذها من المجوس.
فيما يتعلق بجزية الحريم، كانت قضية اجتهادية، وفي عهد النبي، كانت تبلغ دينارا من كل حالم حر أو عبد، سواء ذكرا أو أنثى، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة عمر، ارتفعت إلى أربعة دنانير على الموسر أو أربعين درهما، وكانت النساء والعبيد معفيين من دفع الجزية.
- الرسوم الجمركية
يعتبر هذا المورد ضعيفًامن بين موارد بيت المال الأخرى، ويتم تحصيله من غير المسلمين أو الحربيين عندما يتاجرون، ويُقدر نصيب هذا الرسم بنسبة عشرة في المئة
نفقات الدولة الاسلامية في عهد الراشدين
سمحت الموارد السابقة التي حصل عليها الخلفاء في التصرف في الثروات المالية، التي اختلفت قيمها باختلاف الخلفاء، ولم تكن الموارد المالية متماثلة في عهد ابي بكر او عمر، سواء كان ذلك من حيث النوع او الحجم، وقد الزم الشرع الخلفاء بالإنفاق وصرف المال، خاصةً فيما يتعلق باموال الصدقات.
- النفقات الشرعية
النفقات الشرعية هي تلك التي جاءت بها القرآن الكريم، وتستخدم لتوزيع الزكاة على من يستحقها، حيث قال الله تعالى: `إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ۖ فريضة من الله ۗ والله عليم حكيم` (سورة التوبة، الآية 60)
على الرغم من أهمية الزكاة من الناحية الشرعية، إلا أنه لا يوجد في كتب التاريخ أي دليل على كيفية تصرف الخلفاء الراشدين في أموال الزكاة، أو كيفية توزيع الزكاة بين المستحقين، وكذلك يوجد أموال فيء وصدقات لذوي الحاجات.
- النفقات التدبيرية
هي النفقات التي لم ينص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهي النفقات التي نشأت نتيجة الاجتهاد السياسي الذي فرضته الحالة السياسية للدولة الإسلامية وتحدياتها الاقتصادية
- نفقات المعروف
كانت هذه النفقات مخصصة للسابقين في الإسلام والأشخاص القريبين من رسول الله، وكانت السبب الرئيسي لهذه النفقات هو سخاء الخليفة عمر ورفضه تجميع الأموال في ديوان الخزينة.