توجد في كل دولة جهاز استخبارات يعمل أساسا على جمع معلومات متنوعة تهم الدولة وتحليلها، كما يقوم بحماية الدولة من التجسس الخارجي ويقوم بالتحقيق في القضايا القومية التي تشكل تهديدا على الدولة وأمنها ومواطنيها. في بعض الأحيان، تقوم الدول بتشكيل تحالفات للتعاون في حل قضايا معينة أو لتبادل المعلومات التي تخدم مصالح مشتركة. وأحد هذه التحالفات القوية هو تحالف استخبارات العيون الخمس، الذي يضم مجموعة من الدول الأجنبية ويعتمد على التعاون المشترك بينها، وتحقيق المصلحة المشتركة للدول الخمسة يعد من أهم المهام.
تحالف استخبارات العيون الخمس
استخبارات العيون الخمس هي تحالف استخباري يضم خمس دول أجنبية وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، ويعود تاريخ تأسيسها إلى الحرب العالمية الثانية، أي منذ ما يقرب من سبعين عامًا من اليوم.
يعتبر التحالف الاستخباراتي لهذه الدول الخمس هو الأقوى على مستوى العالم، حيث تتبادل هذه الدول المعلومات الاستخباراتية بين بعضها البعض بميثاق يقوم على الثقة المتبادلة.
في بعض الأحيان تتبادل دول العيون الخمسة معلومات استخباراتية مع دول خارج التحالف بما تقتضيه المصلحة العامة، فعلى سبيل المثال وافقت المنظمة على إطلاع فرنسا عقب هجمات باريس الإرهابية التي وقعت في نوفمبر 2015م على معلومات استخباراتية هامة حول المنظمات الإرهابية لمساعدتها في حل القضية.
في بعض الأحيان، قد تحتفظ دول من العيون الخمسة بمعلومات لنفسها إذا اقتضت الضرورة، وإذا قدمت دولة معلومات استخباراتية لدولة أخرى، فلا يحق للدولة المتلقية الكشف عنها إلا بعد الحصول على إذن من الدولة المرسلة.
على الرغم من انتشار شهرة تحالف الدول الخمسة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الآلية التي يعملون بها لا تزال سرية للغاية، مما يجعل الدول تتخذ تدابير أمنية كبيرة لإبقاء هذا التحالف بعيدًا عن الأنظار.
درجة سرية التحالف شديدة للغاية لدرجة أن المعاهدة التي تمت بين الدول الأعضاء لم يعلم بها رئيس وزراء أستراليا حتى عام 1973م، ولم يعرف الرأي العالم بها حتى عام 2005م، ولم يتم الكشف رسميا عن اتفاقية UKUSA حتى عام 2010م حينما أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا النص الكامل للاتفاقية واعترفت بها بشكل رسمي للمرة الأولى، على الرغم من أن جذورها تعود لزمن بعيد.
“على الرغم من مرور أكثر من سبعين عامًا على إنشاء التحالف الاستخباراتي لعيون الخمسة ، فإنه لم يتأثر بالتقدم الزمني ولا يزال الأقوى والأكثر تعقيدًا وفقًا للتحالفات الاستخباراتية وأكثرها فعالية حتى الآن.
حصلت هذه المنظمة على هذا الاسم المميز بـ العيون الخمس، حيث توضع الوثائق الاستخباراتية التي يتم تبادلها بين الدول الأعضاء تحت ختم يحمل أول حروف أسماء هذه الدول الخمسة مع كلمة عيون، وهذا يعني أن الوثائق لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل هذه الدول فقط، ويتم التعبير عن ذلك كالتالي: “SECRET— AUS/CAN/NZ/UK/US EYES ONLY”، وفيما بعد أصبحت تسمى العيون الخمسة فقط لأنها تسهل الإشارة إلى الدول الخمس بشكل أسهل، ويتم التعبير عنها كالتالي: “AUS/CAN/NZ/UK/US.
تتمحور الاستخبارات الخمسة حول جمع الاستخبارات المعروفة باسم “استخبارات الإشارات”، والتي تشمل استخبارات المراسلات سواء كانت عن طريق الاتصالات أو الإلكترونية.
متى تأسست استخبارات العيون الخمس
تأسس تحالف استخبارات العيون الخمس خلال الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ بشكل رسمي بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتعاونت الدولتان في تبادل المعلومات أثناء الحرب.
ثم تأسست المنظمة بشكل رسمي بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال الاتفاق المعروف باسم UKUSA، الذي تم توقيعه في الخامس من مارس عام 1946، وكان مقتصرا في ذلك الوقت على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفيما بعد انضمت كندا إليه في عام 1948، وأخيرا انضمت نيوزيلندا وأستراليا في عام 1956، وبعد ذلك تم تسميتها بمنظمة العيون الخمسة، التي تسمح فقط لأعضائها بالاطلاع على الوثائق والمعلومات الهامة.
يعتبر اتفاق UKUSA مهما للغاية، إذ ساعد على وضع أسس التعاون الرئيسية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، وساعد بشكل كبير على تعزيز العلاقات والثقة المتبادلة بين البلدين.
وفقا للاتفاقية، يتحمل كل دولة عضوية مسؤولية جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها في مناطق محددة من العالم. تتولى المملكة المتحدة مسؤولية مراقبة روسيا الغربية وأوروبا وهونغ كونغ والشرق الأوسط. بينما تتولى الولايات المتحدة مسؤولية مراقبة روسيا وأفريقيا والصين ومنطقة الكاريبي، بالإضافة إلى التعاون مع المملكة المتحدة في مراقبة الشرق الأوسط.
فيما تتولى أستراليا مراقبة شرق وجنوب آسيا، وتتولى نيوزيلندا مسئولية مراقبة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، بينما تتولى كندا مراقبة بعض أجزاء أمريكا اللاتينية والمناطق الداخلية لكل من الصين وروسيا، وبالرغم من هذا التقسيم إلا أن حصيلة الجهود النهائية تكون نتيجة للتعاون القائم بين أعضاء هذه الدول وهو ما تنص عليه الاتفاقية بشكل أساسي، أيضاً فتقسيم الأقاليم بين الدول الأعضاء لا يعني أنها ملزمة بتكريس جهودها لمراقبة هذه الأجزاء فقط لكن يعني أنها المسئولة بشكل أساسي عن هذه المناطق.
تستند هذه الاتفاقية إلى مبادئ ديمقراطية ليبرالية وعلى المصالح المشتركة بين الدول الأعضاء، مع الاعتماد على الثقة المتبادلة بينها. وبالتالي، لا تستهدف دول جهاز المخابرات الخمسة بعضها البعض، ولكن مسودة صدرت عن وكالة الأمن القومي في عام 2005 تشير إلى حق كل دولة عضو في تنفيذ عمليات استخباراتية ضد بعض الدول الأخرى عندما تكون في مصلحة جميع الدول.
مجالات تعاون استخبارات العيون الخمس
بالرغم من سرية الوثائق الخاصة بالاتفاقية إلا أن بعض الوثائق التي تم الكشف عنه وضحت بعض المجالات التي تتبادل بها الدول الأعضاء المعلومات، ومنها :”تحليل الشفرات، فك الشفرات وترجمتها، جمع معلومات ووثاق تتعلق بمنظمات الاتصال” وغيرها الكثير، وهناك العديد من المجالات التي تتعاون بها دول الاستخبارات الخمس، وفيما يلي نوضحها لكم:
تتعاون الدول الأعضاء في عدة مجالات، بما في ذلك المجال البحري حيث ترصد حركة النقل البحري في المناطق الاستراتيجية، وكذلك المجال الفضائي الذي يهتم بانتشار الأقمار الصناعية الأجنبية وتجارب الصواريخ الباليستية، إلى جانب أنشطة القوات الجوية العسكرية.
من بين المجالات التي تشغل اهتمام الدول الأعضاء وتشكل مصدر قلق لها هي المنظمات الإرهابية وصفقات الأسلحة. يعتبر التعاون في هاتين المجالين ضرورة لا غنى عنها لدول الاستخبارات الخمس، حيث تمنحهم المعلومات المجموعة في هذا السياق القدرة على متابعة آخر التطورات التي تمكنهم من وضع السياسات العامة لحفظ أمن الدولة وتتبع المصادر التي تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية لإحباطها ولمواجهة التهديدات المتنوعة التي قد تواجهها الدول في هذا السياق.
تتعاون الدول الخمس أيضا مع ما يعرف بالأطراف الثالثة وفقا للمصالح المشتركة والمتبادلة لهذه الدول. تتعاون مع فرنسا والدنمارك وهولندا والنرويج في مبادرة “العيون التسع”، وتتعاون مع الدول الأربعة السابقة وكلا من ألمانيا وبلجيكا والسويد وإيطاليا وإسبانيا في مبادرة “العيون الأربعة عشر”، وتعرف رسميا باسم SIGINT. يهدف هذا التحالف الرئيسي إلى تنسيق تبادل الإشارات العسكرية بين الدول الأعضاء.