قصة ديك الجن كاملة
الأدب العربي يحتوي على العديد من الأعمال الأدبية العظيمة التي لا مثيل لها في أي لغة أخرى. اللغة العربية تحتوي على مفردات وأساليب تعبير سلسة وفريدة من نوعها، تمنح الأدب العربي البساطة والقيمة في الوقت نفسه.
حب أدباء العرب للأدب العربي ساعد على تطور أدبهم، حيث كانوا ينظمون المسابقات الأدبية والشعرية ويستغلون أوقات ترحالهم في اشباع هذا الحب الفطري، وتعتبر قصة ديك الجن من التحف الأدبية العظيمة، وفي السطور التالية سنعرضها كاملة.
ديك الجن
ديك الجن هو شاعر يتميز بالحس الرفيع، يعتبر واحدا من شعراء الواحدة الذين اشتهروا بقصيدة واحدة، واسمه الحقيقي هو عبد السلام بن رغبان الحمصي، وتم تسميته ديك الجن بناء على اسم لدويبة تعيش عادة في البساتين، وذلك لأنه كان يحب الخروج وقضاء الوقت في البساتين، ويقال إنه تم تسميته بهذا الاسم لأن لون عينيه أخضر، ويقال أيضا أنه كان مدمنا لشرب الخمر
قصة ديك الجن كاملة
خرج ديك الجن مع صديقه إلى البساتين للاسترخاء، ودخلوا بساتين الأديرة النصرانية، حيث شاهدوا مجموعة من الفتيات الجميلات يحتفلن بمناسبة دينية، وكانت قصيدة ديك الجن هي
أتمنى لك راحة نفسية حقيقية في قلبي الحائر
فإن الحسن قد أولاكِ إحيائــى وإهلاكـــي
وأولــعني بصلبــانٍ ورهبـــان ونسَّــــاكِ
ولــم آت الكنـــائس عن
هـــوى فيــهن لـــــولاك
وجلس ديك الجن يتابع احدي الفتيات الجميلات وهى تغني ، حتى قام أحدهما بإصدار صوت بدون قصد ، فانتبهت الصبايا لهم فقامت الجميلة بتهديدهم بأن تبلغ أهل الدير باقتحامهم البستان ، فسألها ديك الجن أتعلمين لمن تلك القصيدة ، فقالت نعم لديك الجن ، فقال لها وان أخبرتك أنني ديك الجن ماذا تقولين ، فقالت له أثبت ذلك ، فقال لها كيف ، فقالت له بأن ترتجل أبياتا من شعرك الآن ، فوافق ديك الجن وقام بإنشاد قصيدته الشهيرة:
قولــــي لطيــفـك يـــــنثنـي
عن مضجعي وقت المنام
كي استريـح وتنطفـي
نار تؤجج فـي العظـام
دنـف تقلبـه الأكــف
على فراش من سقـام
أما أنـا فكمـا علمـتِ
فهل لوصلك من دوام ؟
قالت الجميلة أنه بإمكان الكثيرين القيام بذلك إذا حفظوا الأبيات، ولكن بإمكانك إثبات أنك ديك الجن عن طريق إنشاد نفس الأبيات مع تغيير القافية فقط والاحتفاظ بالمعنى، وبعدها قام ديك الجن بالإنشاد مجددًا
قولــــي لطيفــــك يـــنثنـي
عن مضجعي وقت الرقاد
كـــي استريـــح وتــنطفـي
نـــار تـؤجج فـي الفـــؤاد
دنــــف تقلبــــه الأكــــف
علــى فـــراش مـــن قتـــاد
أمــا أنــــا فكمــــا علمــــتِ
فهل لوصلك من معاد ؟
فلم تقتنع وطلبت المزيد فانشد ديك الجن:
قولــــي لطيفــــك ينثـنـــي
عن مضجعي وقت الهجوع
كـــــي استريــــح وتنطفــي
نار تؤجج فـي الضلـوع
دنــــف تقلبـــــه الأكــــف
على فراش مـن دمـوع
أمـا أنـا فكمـا علمـتِ
فهل لوصلك من رجوع ؟
فلم تقتنع وطلبت المزيد فزاد:
قولــــي لطيفــــك ينثـــني
عن مضجعي وقت الوسن
كــي أستريـــــح وتنطفـــي
نــــار تأجــــج في البــدن
دنــــف تقلبــــه الأكـــــــف
علـى فــراش مـن شجـــن
أمــــا أنـــا فكمـــا علـــمت
فهل لوصلك من ثمن؟
عندئذٍ تتعلّق قلب الفتاة أيضاً بالجنِّ الذي يدعى ديك، وانتشرت قصة حبّهما في المدينة، حتى أصبحت مشهورةً. ثم تزوّجا وعاشا حياةً جميلةً معًا، وكان اسم الفتاة ورود بنت الناعمة، وكانت مسيحيةً وأسلمت بعد زواجها من ديك الجن إثر طلبه.
كان لديك صديق جني مخلص يدعى بكر وكان يثق به بشكل كبير، وكان عندك أيضا ابن عم جني يدعى أبو الطيب الذي حاول بشدة التقرب من ورد ولكنها رفضته بشدة ولم تخبر ديك الجن بمحاولاته خوفا من المشاكل. بالرغم من ذلك، قام أبو الطيب بتدبير مؤامرة للانتقام من ورد بطلب دين كان على ديك الجن وعندما رفض ديك الجن دفع المبلغ، طلب منه ابن عمه الرحيل مع قافلة إلى مدينة أخرى لجمع المال من أمير صديق لديك الجن. بعد ذلك، ذهب ابن عمه إلى ورد وأخبرها أنه قتل، وطلب من بكر الجني الذهاب لتهدئتها. ثم ذهب إلى بكر وأخبره أن صديقه وورد لم يحتفظوا بسره، فذهب إلى منزلهما وقتلهما معا، وبعد ذلك جلس يبكي على حبيبته ولقد قال واحدة من أروع قصائده
رَوَّيتُ مِن دَمِهَا الْثََّرَى وَلَطَالِمـا
رَوِّى الْهَوَى شَفَتَيَّ مِن شَفَتَيْهـا
قَد بَات سَيْفِي فِي مَجَال وِشَاحِهَا
وَمَدَامِعي تَجْرِي عَلـى خَدَّيْهـا
فَوَحَق نَعْلَيْهَا وَمَا وَطِىء الْحَصَى
شَيْءٌ اعَزُ عَلـيَّ مـن نَعْلَيْهـا
مَا كَان قَتْلِيّها لِأَنـي لـم اكـن
أَبْكِي إِذَا سَقـط الذَّبـابُ عَلَيْهـا
لَكِن ضَنَنْت عَلَى الْعُيُون بِحُسْنِهَا
وَأَنِفْت مِن نَظَر الْحَسُود إِلَيْهـا
بعد وفاة ابن عمه، اعترف له اثنان كانا معه أثناء احتضاره بأن ورود كانت طاهرة، هي وصديقتها بكر. ومنذ ذلك الحين، قضى بقية حياته حزينًا يذهب إلى قبرها وينشد:
قمرٌ أنا استخرجته من دجنـة
لبليتي وزففتـُهُ مـن خِـدْرِهِ
فقتلتـهُ ولـهُ علـيَّ كرامـة
مِلءَ الحشا وله الفؤادُ بأسـرهِ
عهدي به مَيْتاً كأحسـن نائـمٍ
والحزنُ ينحرُ مقلتي في نحرِهِ
لو كان يدري الميْتُ ماذا بعدهُ
بالحيّ حلَّ بكى لهُ في قبـرِهِ
غُصَصٌ تكادُ تفيضُ منها نفسهُ
وتكادُ تُخرجُ قلبَهُ من صـدرِهِ
بانوا فصار الجسم من بعدهم
ما تصنع الشمس لـه فيّـا
بــأي وجــهٍ أتلقـاهـمُ
إذا رأونـي بعدهـم حيّـا