قصة أسيا بنت مزاحم زوجة فرعون
عندما تتمركز العقيدة السليمة في قلب شخص، فلا يمكن لأي كائن أن يهتز بهذه العقيدة في داخله، بغض النظر عن الرعب أو المصائب التي يحاول أعداء هذه العقيدة استخدامها لتحويله عن معتقداته المؤمن بها. وتقدم لنا السيدة آسيا، زوجة فرعون، أروع الأمثلة في التمسك بالعقيدة. قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: `لم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون`. وسنرى في قصتها كيف تضحت بكل ما هو ثمين وغال من أجل ذلك.
الملكة أسيا بنت مزاحم
كانت السيدة أسيا بنت مزاحم، ملكة زوجة فرعون في مصر، ذات أخلاق عالية وطيبة القلب، حيث لم تسير على نهج زوجها الظالم وجبروته، بل رفضته بشدة، حتى وإن لم تعلن ذلك بلسانها الطاهر، وقد تجلى ذلك عندما قدم جواريها الصندوق الذي يحتوي على سيدنا موسى عليه السلام، وهو لا يزال رضيعا، وذلك بعد أن وقف هذا الصندوق أمام قصرها
عندما نظرت آسيا إلى وجهه البريء، احتضنته وعزمت على أن تكون له أمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعدما وهبها الله حبه، وقاتلت من أجل بقائه حيًا بكل ما أوتيت من قوة، عندما أراد زوجها فرعون مصر أن يقتله كما قتل بقية الأطفال في الماضي.
نبوءة في قصر الفرعون
أخبر الكهنة فرعون بوجود نبوءة تشير إلى موته على يد طفل سيولد في هذا العام وسيكون سببا في قتل فرعون. فقرر فرعون قتل جميع الأطفال الذكور، ومع ذلك، نجحت آسيا في إقناعه بتبني هذا الطفل. وبعد أن أصبح جزءا من أسرتها، لم تتخلى عنه رغم رفضه لأي مرضعة تحاول إرضاعه، بل استمرت في البحث عن المرضعة المناسبة حتى جاءت أخته وأخبرتهم بامرأة قادرة على إرضاعه. وفعلا، حضرت الأم الحقيقية ورضعته، وبالتالي أصبح لديه أم غيره وأم تربيه.
إيمانها برسالة موسى عليه السلام
زاد حبها عندما سمعت بنبوة موسى عليه السلام وبرسالته التي قدمها إلى الفرعون، والتي صدقتها وآمنت بها، لكنها لم تعلن عن ذلك بل حافظت على سريتها لتجنب قتلها من قبل الفرعون، حيث عرفت دائمًا أن هذا الكون يحتوي على إله واحد وأن الفرعون ليس إلهًا.
حدثت اللحظة الحاسمة عندما رأت أسيا ما فعله الفرعون بابنتها وأولادها من خلال القتل والتعذيب. غضبت بشدة وأذكرته بوجود إله يعلم كل أفعاله وظلمه للعباد، وأنه لن يتركه دون عقاب حتى لو مرت السنوات. قالت له بحزن عميق: يا ويلك من الله، وعندما سمع الفرعون هذا، تعجب واستغرب مما سمعه، ووصفها بالجنون، ولكنها أخبرته أن ما حدث ليس جنونا بل إيمانا بوجود إله واحد هو من خلقه وخلق الكون.
انتقام فرعون من أسيا
لم يتمكن فرعون من إطفاء النور الذي أضاء قلب زوجته رغم محاولاته الفاشلة لفعل ذلك، فحاول أن يرسل لها من يؤثر عليها، فلربما استطاع ردها عما هي عليه، فبعث لأمها كي تحضر إليهم وتقوم بإقناع ابنتها، ولكن محاولاتها هي أيضا باءت بالفشل الزريع، فلم يكن أمام هذا الظالم، سوى حل واحد وهو تعذيبها حتى ترجع لما كانت عليه، ولكنها لم ترتد عن عقيدتها، فكان يقيدها بصخرة تحت لهيب الشمس المحرقة، دون زاد أو حتى شربة ماء، هذا بعد أن قام بتحريض قومها عليها والذين كانوا يكنون لها كل الحب والاحترام.
صعود روحها الطاهرة
عندما يكون الإنسان قريبا من ربه، يكون الله عز وجل أقرب إليه من نفسه. وبالتالي، بسبب عقيدتها الراسخة في قلبها واستعدادها لتحمل العذاب من أجلها، تجد آسيا أن الله عز وجل يكون قريبا منها. وتترك كل النعم التي كانت تعيش بها لتبادلها بنعيم دائم عند الله عز وجل. بالنسبة لكل هذه الأمور، يعين الله عز وجل ملائكة من السماء لتظللها من أشعة الشمس المتوهجة، وذلك بسبب صدقها. وعلى الرغم من كل هذا اليقين والتقوى الذي ينبع منها.
لم يتبع فرعون عقيدة ربه، ولم يرحم قلبه القاسي ذلك المرأة الضعيفة التي هي زوجته وأم ابنته، وزاد في تلقينها أشد العذاب. أما أسيا فلم تشاهد شيئا من ذلك ولم تفكر سوى في بيتها الذي أعده الله لها في الجنة، ولذلك طلبت من ربها، الذي باعت الدنيا كلها من أجل رضاه عز وجل عنها، أن يريها بيتها في الجنة. وكان فرعون مستمرا في تعذيبها، ولم يرو الله لها بيتها في الجنة، ولكن ضحكت بضحكة تعبر عن سعادة تفوق الدنيا كلها، سعادة لم تجعلها تشعر بأي عذاب أو ألم. ولكن فسر فرعون ضحكتها تلك على أنها جنون، وغضب بشدة وطلب من أعوانه أن يحضروا صخرة كبيرة ويلقوها عليها، ولكنها كانت قد صعدت بروحها الطاهرة إلى خالقها الذي هو أرحم بها من العالم بأسره، وسقطت الصخرة، ولكنها لم تسقط سوى على جسد بالي الذي فارقت روحه الحياة الزائفة.