فضل العبادة في وقت الغفلة
الثابت عى الطاعة في زمن الفتن له أجر
يعتبر العبادة في الغفلة محل أجر عظيم، وذلك يعود لأن العبد يجتهد بشكل كبير للحفاظ على دينه ويحافظ على عباداته ويتقرب من الله تعالى، وأسباب ارتفاع فضل العبادة وارتقائها في أوقات الفتن تكمن في:
- عندما يكون الناس مشغولين ومشتتين في شؤون الترفيه والحياة الدنيوية، يكون العبد وحيدا وقليلا ممن يسعى إلى طريق الله العز والجل، ويتوجه إليه ويستجير به. فطريق الله لا يعرفه إلا المتقون، ولذلك فإن العابدين المستغفرين يجدون ثوابا عظيما في أوقات الغفلة. يقول الله العز والجل في كتابه العزيز في سورة النمل آية 92: “وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين”. فالمستقيمون هم المنتصرون، ويقول الله العز والجل في سورة الكهف آية 28: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا”. صدق الله العظيم.
- في زمن الفتن، يعتقد الناس بشكل طبيعي أن يتبعوا هواهم ولا يأخذوا في الاعتبار الدين الحق الذي يهديهم، كما في الجاهلية وزمن الكفر والعبودية. فمن يتبع الله ويهتدي ويبتعد عن الشهوات والرغبات التي تضل العبد وتقوده إلى الجحيم، فإن مكانته ستكون عظيمة وكريمة، وسينجو بنفسه في يوم لا ينفع فيه الندم.
- يضطر العابد المتقرب لله عز وجل، أن يعتزل الناس في زمن الفتن لأنهم يكونوا منشغلون بأمور أخرى غير التي يريدها هو فهو متجه للصلاة والدعاء والزكاة وأتباع تعاليم الدين في حين إنهم في غفلة ولا يمكن أن يجتمع بهم فكل منهم قد اختار طريق مختلف، فالعبد المستقيم اختار طريق الله الذي يهديه للجنة، والغافلون اللاهون منشغلون بطريق اللهو والمفاسد.
- يُعرف جهاد النفس بأنه عندما يرى الإنسان الصالح أن الآخرين حوله يتمتعون بشهوات وهوايات مزيفة، فيجاهد نفسه للصبر على الفتن والابتعاد عن المعاصي، ويكون له ذلك أجر عظيم أيضًا، لذلك فإن جزاء العبد المجاهد لنفسه الذي يتجنب الفتن والمعاصي في عالم مليء بالحقيقة والباطل يكون عظيمًا.
فضل العبادة في مواطن الغفلة
إن الاستعباد في حالة الغفلة أمر عظيم، فإن الله تعالى لم يخلق الإنسان والجن إلا لكي يعبدوه ويوحدوه ويذكروه في كل وقت وحين، فقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة الذاريات، آية 56: `وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون`، وصدق الله العظيم. وهذا يعني أن الهدف الحقيقي من خلق البشر هو العبادة لله عز وجل، وكل ما يخرج عن ذلك هو غفلة وفساد عظيم.
يتمثل فضل العبادة في الغفلة، حيث يرتقي الشخص إلى منزلة عظيمة وكريمة، مثل منزلة الذي هاجر إلى رسول الله وأعتمر، ولم يجل تلك الهبة وذلك الفضل. وفي وقت الفتن وكثرة المعاصي وقتل الغنسان أخيه الغنسان، وهذا محرم، فالله تعالى حرم النفس على النفس. وعندما تكون الغفلة في الخمر والنساء والميسر وكثرة الملاهي واختلاط الأمور وتوالي الفتن، وعدم معرفة الحق من الباطل ولا الطيب من الخبيث، يكون العبد الطائع كالمحارب والمجاهد الذي يقبض على دينه وكأنه يقبض على جمر موقد.
في هذا الزمان زادت الفتن والمغريات، فمن استطاع أن يحافظ على نفسه ويتحكم في أموره، ولا يظلم نفسه ولا يؤذي الآخرين، ولا يغريه المغريات الكاذبة والواهية، فإن مكانته عظيمة وأجره كبير كجهاد المجاهدين، لأن أعظم الجهاد هو جهاد النفس والرغبات والشهوات.
ومن أوقات الغفلة وقت السهر أو النوم ليلا، فمن يستيقظ ليقيم الليل ولم يغفل عن عبادة الله الواحد الأحد في غسق الليل والناس نيام فأجره عظيم ومضاعف، لذلك كان النبي الكريم يؤخر صلاة العشاء وكان ينصح دائما بصلاة القيام لأنها من أحب الطاعات والعبادات لله عز وجل، قال الرسول الكريم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل.
إن الله تعالى يمنح من يقوم ليلاً ويصلي ما يريد ويصلح له شأنه، ولا يرد له الدعاءن إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم” إن من الليل ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله خيراً، إلا عطاه إياه”، فكلما زاد شقاء العبد في العبادة زاد الاجر، وكلما قام العبد بمجهود كبير كان الجزاء عظيم والله تعالى لا يظلم أحد.
حديث الهرج
لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مهما أو غير مهم يتعلق بأمور المسلمين إلا وبلغها، وقد وصفها بما يكون مفيدا ونافعا. فقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العبادة في الأوقات العصيبة والفتن، حيث قال: “العبادة في الأوقات العصيبة مثل الهجرة إلي”. وهذا صحيح صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمقصود بكلمة “الهرج” هو الازدحام والتدافع والاختلاط، ويشير أيضا إلى الفتنة التي تحدث في آخر الزمان، والتي يشير إليها أيضا بالكلمة نفسها، والتي تشمل القتل والفوضى.
ويقصد من الحديث الشريف أن العبادة في هذا الوقت الذي تزداد فيه الفتن والقتل والاضطراب والفوضى، تكون مثل الهجرة التي قام بها الرسول الكريم، وهي واحدة من أعظم الطاعات لله عز وجل. وكلما زادت الفتن، اقتربت الساعة، حيث يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام `قد اقترب الزمان، وازداد العلم فيه، وازداد الجهل فيه، وازداد الاضطراب والفوضى`. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم `سيقترب الزمان، ويقل العلم، وتظهر الفتن، وتكثر الاضطراب والشح والفوضى`.
ومعنى ذلك أن العبادة وقت انشغال الناس بالفتن والقتل والفساد، يعتبر عمل عظيم كهجرة كريمة لرسول الله وهي عبادة لا يستطيع الجميع أن يقدم عليها، مثل العبادة في الفتن والهرج، فقد يغفل الناس عن العبادات والذكر ولا يكونوا متفرغين للعبادة، حيث إتباع الهوى والانشغال عن الطريق المستقيم السليم.
أجر الصبر على الفتن
الصبر هو من العبادات العظيمة في الدين الإسلامي، فالله تعالى ذكر الصابرين كثيرا في القرآن الكريم ورفع مكانتهم. يقول الله عز وجل في سورة آل عمران آية 200: “يا أيها الذين آمنوا، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”. في هذا الزمان كثرت الفتن وطرق الوصول إليها، وأصبح من اليسير الوصول للمعصية والفواحش، وكثر المرض والفساد واللهو والفزع والخوف بين الناس، مما يلهيهم عن العبادة ويفقدهم الصبر والأمان والسكينة. ولكن الصابرون على الفتن لهم جزاء عظيم، إذ يقول الله عز وجل: “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.
يجزي الله تعالى الصابرين على الفتن بأفضل الجزاء، وجنة الخلد هي أفضل الجزاء، ويكرمهم ويعزهم في الحياة الدنيا، وينبغي على المؤمن أن يصبر على الفتن، كما قال الرسول الكريم: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”. وفي حديث آخر لأبي هريرة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، والمتمسك في ذلك الوقت بدينه كالقابض على الجمر.
يقول الرسول الكريم”أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة”، ومن أتبع كلام الله ورسوله حصل على الرحمة والعفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة، وعوضه الله بالجن فما جزاء الصبر إلا جبراً.