سيرة ” البحتري ” شاعر سلاسل الذهب
وهو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أبرز وأشهر الشعراء العرب في العصر العباسي، وله العديد من القصائد والأشعار الرائعة والمميزة.
حول الشاعر البحتري
يعتبر شعره مثل قلادات ذهبية، وهو واحد من أهم الشعراء في زمنه، مثل المتنبي وأبو تمام والبحتري. قيل لأبي العلاء المعري: كيف تقيم الثلاثة؟ فأجاب المتنبي بأن أبو تمام حكيم ما عدا الشاعر البحتري.
ولد البحتري في منبج شمال شرق حلب في سوريا، وبدأ في تأليف الشعر منذ صغره. ذهب إلى حمص ودرس على يد أبي تمام، وكان شاعرا في بلاط الخلفاء: المتوكل والمستنصر والمستعين والمتوصل بن المتوكل. وكان له علاقات جيدة مع جميع أمراء وحكام الدولة العباسية.
بدايات البحتري
ولد في مدينة حلب في سوريا عام 821م، وينتمي إلى قبيلة طئ. نشأ في قبيلته وتعلم اللغة والبلاغة، وكتب أول قصيدة له بين سنواته 16 و19. قام بزيارة الشاعر أبو تمام في حمص عام 840م، وثنى عليه أمام السلطات التي منحته معاشا قدره 4000 درهم سنويا.
درس المديح مع أبي تمام وتعلم منه، ثم عاش في حلب حيث تعلم ملكة البلاغة والشعر، ثم انتقل بين سوريا وغيرها من الأماكن. كانت المنطقة مضطربة وغير مستقرة، وكانت الخلافة ضعيفة بالنسبة للأتراك في تولي الحكم.
قام البحتري بزيارة بغداد عدة مرات، واتصل بالمختار وأصبح شاعر المحكمة وصديق المتوكل، وأشاد بالمتوكل في قصائده وساعده في الشعر.
إنجازات البحتري
أحب البحتري المعاني البدوية القديمة، وتأثر بالطبيعة الخارجية للحضارة الجديدة فقط، واحتفظ بالقصيدة العربية الأصلية من حيث البحور والأوزان والقوافي، بالإضافة إلى لون كلماته وإبداعه في الصور والأوصاف الشعرية.
تحفيزا من الشاعر المشهور أبو تمام، سافر إلى عاصمة الخليفة في بغداد، وعاد إلى سوريا في عام 844، وفي زيارة أخرى لبغداد، التقى الخليفة المتوكل وأصبح شاعرا في المحكمة وتمتع بدعم الخلفاء المتعاقبين. ثم ذهب إلى مصر حيث كان شاعرا وحاكما للمحكمة.
تم جمع شعره وتحريره مرتين في القرن العاشر، وتم ترتيبه بالترتيب الأبجدي. وقد نشر في إسطنبول عام 1883. شبيه بـأبو تمام، حيث قدم مجموعة من القصائد الأولى المعروفة باسم حماس. وتعرف هذه المجموعات من القصائد أيضا باسم الديوان.
وفاة البحتري
عندما قتل المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان، تم نقل الخلافة بين الخلفاء المتعاقبين. عاد المتوكل بسرعة إلى منبج لقضاء أيامه الأخيرة، ويقال إنه كان مصابًا بالسرطان. توفي عن عمر يناهز 76 عامًا في عام 897 ودُفن في مدينة باب.
اشعار البحتري
قصيدة الوفاء
قَد فقَدْنا الوَفاءَ فَقدَ الحَميمِ
وَبَكَينَا العُلَى بُكَاءَ الرّسُومِ
لا أُمِلُّ الزّمَانَ ذَمّاً، وَحَسْبي
شُغُلاً أنْ ذَمَمْتُ كُلّ ذَميمِ
أتَظُنُّ الغِنَى ثَوَاباً لِذِي الهِمّةِ
مِنْ وَقْفَةٍ بِبَابِ لَئِيمِ
وَأرَى عِنْدَ خَجْلَةِ الرّدّ منّي
خَطَراً في السّؤالِ، جِدَّ عَظيمِ
وَلَوَجْهُ البَخيلِ أحْسَنُ في
بَعْضِ الأحَايينِ مِنْ قَفَا المَحرُومِ
وَكَرِيمٌ عَدا، فأعْلَقَ كَفّي
مُسْتَميحاً في نِعْمَةٍ مِن كَرِيمِ
حَازَ حَمدي، وَللرّياحِ اللّوَاتي
تَجْلُبُ الغَيثَ، مثلُ حَمدِ الغيومِ
عَوْدَةٌ بَعدَ بَدْأةٍ مِنكَ كانَتْ
أمسِ، يا أحمَدُ بنُ عَبدِ الرّحيمِ
مَا تَأنّيكَ بالظّنِينِ وَلا وَجْهُكَ
في وَجهِ حاجتي بشَتيمِ
قصيدة أبى الليل
أبَى اللّيلُ، إلاّ أنْ يَعُودَ بِطُولِهِ
عَلى عَاشِقٍ نَزْرِ المَنَامِ قَليلِهِ
إِذا مَا نَهَاهُ العَاذِلُونَ تَتَابَعَتْ
لهُ أَدْمُعٌ لا تَرْعَوِي لِعَذُوِلِهِ
لَعَلّ اقترَابَ الدّارِ يَثني دُمُوعَهُ،
فَيُقلِعَ، أو يُشفَى جَوًى من غَليلِهِ
وَما زَالَ تَوْخِيدُ المَهَارِي، وَطَيُّهَا
بِنَا البُعْدَ من حَزْنِ الفَلاَ وَسُهُولِهِ
إلى أن بدا صَحنُ العِرَاقِ، وَكُشّفتْ
سُجُوفُ الدّجَى عَن مائِهِ وَنَخِيلِهِ
تَظَلُّ الحَمامُ الوُرْقُ، في جَنَبَاتِهِ،
يُذَكّرهَا أحْبَابَنَا بِهَدِيلِهِ
فأحْيَتْ مُحِبّاً رُؤيَةٌ مِنْ حَبِيبِهِ،
وَسَرّتْ خَليلاً أوْبَةٌ مِنْ خَليلِهِ
بِنُعْمَى أميرِ المؤمِنِينَ وَفَضْلِهِ،
غدا العَيشُ غَضّاً بعدَ طولِ ذُبُولِهِ
إمَامٌ، رَآهُ الله أوْلَى عِبَادِهِ
بحَقٍّ، وأهْدَاهُمْ لِقَصْدِ سَبِيلِهِ
خَليفَتُهُ في أرْضِهِ، وَوَلِيُّهُ الـ
ـرَضِيُّ لَدَيْهِ، وابنُ عَمّ رَسُولِهِ
وَبَحْرٌ يَمُدُّ الرّاغِبُونَ عُيُونَهُم
إلَى ظَاهِرِ المَعْرُوفِ فيهِمْ، جَزِيلهِ
تَرَى الأرْضَ تُسقَى غَيثَها بمُرُورِهِ
عَلَيْهَا، وتُكْسَى نَبْتَهَا بِنُزُولِهِ
جاء من بلد الغرب في عدد النقاط،
نَقَا الرّملِ، مِنْ فُرْسَانِهِ وَخُيُولِهِ
فأسفَرَ وَجْهُ الشّرْقِ، حتى كأنّما
تَبَلَّجَ فيهِ البَدْرُ بَعدَ أُفُولِهِ
وَقَدْ لَبسَتْ بَغدادُ أحسَنَ زِيّهَا
لإقْبَالِهِ، واستَشْرَفَتْ لِعُدُولِهِ
وَيَثْنِيهِ عَنْهَا شَوْقُهُ وَنِزَاعُهُ،
إلى عَرْضِ صَحنِ الجَعفَرِيّ وَطُولِهِ
إلى مَنْزِلٍ، فيهِ أحِبّاؤهُ الأُلي
لِقَاؤهُمُ أقْصَى مُنَاهُ، وَسُولِهِ
مَحَلٌّ يُطِيبُ العيشَ رِقّةُ لَيْلِهِ
وَبَرْدُ ضُحَاهُ، وَاعتِدَالُ أصِيلِهِ
لَعَمْرِي، لَقَد آبَ الخَليفَةُ جَعْفَرٌ،
َفي كلّ نَفسٍ حاجةٌ من قُفُولِهِ
دعاه الشغف من سر من خلف فغطت الأسرار
إلَيها، انكِفَاءَ اللّيثِ تِلقَاءَ غِيلِهِ
على أنّها قَدْ كَانَ بُدّلَ طِيبُها،
وَرُحّلَ عَنْهَا أُنْسُهَا برَحِيلِهِ
وإفْرَاطُها في القُبحِ، عندَ خُرُوجِهِ،
كإفرَاطِهَا في الحُسنِ، عندَ دُخُولِهِ
ليَهْنَ ابنَهُ، خَيرَ البَنينَ، مُحَمّداً،
قُدُومُ أبٍ عَالي المَحَلّ، جَليلِهِ
غَدا، وَهوَ فَرْدٌ في الفَضَائِلِ كُلّها،
فهَلْ مُخبِرٌ عَن مِثلِهِ، أوْ عَدِيلِه
وإنّ وُلاةَ العَهدِ في الحِلمِ والتُّقَى،
وفي الفَضْلِ مِنْ أمثالِهِ وشُكُولِه
ومن غزله قوله في حبيبته
سَلامُ اللهِ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ …… عليكَ، وَ مَنْ يُبَلِّغ لي سَلامي؟
لقد غادَرْتَ فِي جسدي سَقَاماً …… بِمَا في مُقْلَتَيْكَ مِن السَّقام
وذكَّرَنِيكَ حُسْنُ الوَرْدِ لَمّا …… أَتَي وَ لَذيذُ مَشروبِ المُدام
لَئِن قَلَّ التَواصُلُ أَوْ تَمَادَي …… بِنَا الهِجرانُ عاماً بَعْدَ عامِ
هل سأتخذ العراق هوية ومنزلة …… وأحبه في أرض الشام