سبب نزول ” انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم “
انطلقوا في سبيل الله بكل أنواع الجهود والمال، فذلك أفضل لكم إذا كنتم تعلمون. هذا هو أمر الله تعالى للمسلمين بالتجهيز للقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لمحاربة أعداء الله من الروم والكفار من أهل الكتاب. وأمر المؤمنين بالمشاركة معه في هذه الغزوة بكل الظروف، سواء كانت مشجعة أو قاسية، سهلة أو صعبة، فقد قال: “انطلقوا في سبيل الله بكل أنواع الجهود والما.
سبب نزول الآية:
قال السدي {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}: يقول: رجل ظهر يوما زعموا أنه المقداد، وكان ثريا وفقيرا وقويا وضعيفا وعظيما وسمينا، فشكا إليه وطلب منه الإذن، لكنه رفض. في ذلك اليوم، نزلت الآية: `انفروا خفافا وثقالا`. وعندما نزلت هذه الآية، أصبحت الأمور صعبة على الناس. فألغى الله هذه الآية وقال: `ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجا إذا نصحوا لله ورسوله` [التوبة: 91].
وقال ابن جرير عن أبي راشد الحراني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص وقد فصل عنها من عظمه يريد الغزو، فقلت له: قد أعذر اللّه إليك، فقال: أتت علينا سورة البعوث:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
استجابة الصحابة للأوامر الإلاهية:
ورد في تفسير ابن كثير أن أبو طلحة قال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} أي كهولاً وشباناً قال ابن عباس والحسن البصري وعكرمة ومقاتل والضحاك وغير واحد {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} أي شباباً وكهولاً ما سمع اللّه عذر أحد، ثم خرج إلى الشام، فقاتل حتى قتل.
وفي رواية: قرأ أبو طلحة سورة براءة ثم وجد هذه الآية: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبانا، أعدوني يا أبنائي. فقال بنوه له: يرحمك الله، لقد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نقاتل عنك، فأبى. فرحل بالبحر وتوفي، ولم يجدوا له جزيرة ليدفن فيها إلا بعد تسعة أيام، ولم يتغير فدفن فيها.
تفسير الآية:
{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: قال مجاهد: يشمل هذا الأمر الشباب والشيوخ والأغنياء والمساكين. وقال الحكم: يشمل المشاغل وغير المشاغل. وذكر العوفي نقلا عن ابن عباس قوله {انفروا خفافا وثقالا} وفسرها بأن ينفروا بنشاط أو بدون نشاط. وقال الحسن البصري: يشمل الأمر العسر واليسر. ويتفق هذا مع الاختيار الذي اتخذه ابن جرير. وقال الإمام الأوزاعي: إذا كان النفير إلى بلاد الروم، ينفر الناس إليها سواء كانوا خفافا أو ركبانا. وإذا كان النفير إلى هذه السواحل، ينفرون إليها سواء كانوا خفافا أو ثقالا أو ركبانا أو مشاة. وهذا تفصيل في المسألة.
وقال ابن جرير عن حبان بن زيد الشرعبي قال: كنت مع صفوان بن عمرو، الوالي السابق لحمص، ورأيت شيخا كبيرا من أهل دمشق الذي كان على رحلته، وقد سقطت حاجبيه على عينيه. أقتربت منه وقلت: يا عم، أعذر الله إليك. رفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي، الله يجعلنا نمر بالتحديات السهلة والصعبة، ولكن الله يمتحن الذين يحبه بالصبر والشكر والذكر. فالعبادة مخصصة لله وحده العزيز الجليل.
ثم رغب الله سبحانه وتعالى في أن ينفق المؤمنون في سبيله ويبذلوا جهدهم لتحقيق مرضاته ومرضاة رسوله، فقال: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ۚ ذٰلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}، أي هذا الجهد والنفقة خير لكم في الدنيا والآخرة، لأنكم تدفعون قليلا في النفقة وتحصلون على أموال عدوكم في الدنيا، بالإضافة إلى الأجر الكبير والكرامة في الآخرة. وقد وعد الله المجاهدين في سبيله بأن يدخلهم الجنة إذا توفوا، أو يعيدهم إلى منزلهم بما نالوا من الأجر والغنيمة، ولهذا قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم ۖ وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة:216].