الكاتبة أحلام مستغانمي ولدت في تونس. والدها محمد شريف كان مشاركا في الثورات الجزائرية وسجن في السجون الجزائرية بسبب مشاركته النشطة في تلك الثورات. انتقلت إلى فرنسا بعد ذلك وتزوجت من صحفي لبناني. حصلت الكاتبة على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة نجيب محفوظ عام 1998 عن روايتها `ذاكرة الجسد`.
تدور أحداث هذه الرواية حول شخصيتيْ خالد وحياة، حيث يتم تسليط الضوء على خالد كشخصية ثورية تبحث عن وطنها بكل ما فيه من مرارة وحلاوة، وأخيرًا تجد الأمل في حياة التي وهبتها الأمل ثم خذلته، وتركته تصارع آلام الحب والموت بعد ذلك.
عنوان الرواية :
« ذاكرة الجسد » : جاءت تسمية الرواية بهذا الاسم للدلالة على أن لكل جسد ذاكرة تروي كثيرًا من الحكايات، وتكون شاهدًا على التاريخ؛ فللوطن ذاكرة، وللمحبوب والمحِب ذاكرة، وكل منا يروي تاريخه حسب ذاكرته، ولما كانت « حياة » هي الحب والوطن فقد جاءت ذاكرة جسدها شاهدة على ذاكرة الوطن والحلم والثورة؛ فلقد أحيته وأماتته.
بعثت بداخله الأمل وانتشلته، أوحت له بالرفعة والعزة في حين أنها باعت نفسها ، وقدمت جسدها للفساد والنفوذ لينهش فيها؛ فتذهب بعيدًا عنه بويلاتها وانهزاماتها وانكسارها السحيق، وكان جسد خالد أيضًا حاضرًا في الرواية بحله وترحاله، ببتر يده اليسرى وبتأثير جسد الوطن والمحبوبة فيه، فها هو يقول أثناء الرواية : « كان جسدي ينتصب ذاكرة أمامه ».
ملخص الرواية :
تحمل هذه الرواية رؤى ووجهات نظر مختلفة، التي تمنت الكاتبة عرضها أمام القارئ، وتضمنت ما يلي:
في جزء تاريخي، عرضت الكاتبة جزءًا مهمًا من تاريخ الجزائر وبعض أحداث العالم العربي بأسره.
2- يعتبر الاستقرار النفسي مهمًا من خلال تتبع مشاعر خالد وحياته.
في الجانب السياسي والاجتماعي، تتحدث حياة عن الوطن والأحوال التي أدت إليه، وتتحدث عن الطبقات الرأسمالية والسلطة والنفوذ، وتناقش مسألة الانبطاح للغرب والتمسك بأذيالهم، وتتحدث أيضا عن العسكر وترمز لهم بالرجل العسكري النافذ. بالتأكيد، حياة هي الوطن.
4- من منظور عقائدي ديني، يلاحظ فيه زيف الظواهر والحاجة إلى العمق، والتدين الحقيقي في العالم العربي عموما وفي الجزائر خاصة.
فلقد أجادت الكاتبة عرض كل هذه الأبعاد بتقنيات عالية استعانت بها في الرواية؛ فلقد امتازت الرواية بسردها وحوارها والحبكة الدرامية المميزة فيها، وبالصراع الدائر على كل مستوياتها، وأجادت استخدام « الفلاش باك » بصورة حرفية، كما أجادت استخدام الرمز والتأويل والإسقاط في الرواية.
يحكي السرد عن خالد البطل الثوري الذي شارك في الثورة الجزائرية، وخرج منها بفقدان جزء كبير من يده اليسرى، ولكن ألم يده لم يكن مهما في سبيل تحرير الوطن. وكانت هذه هي فجيعته الكبيرة، حيث لم يعد الوطن كما كان من قبل، فقد تحرر سطحيا ولكن يد الاستعمار لا تزال تسيطر عليه، وبالتالي فهذا ليس وطنه الحقيقي بعد تغير كل المفاهيم والمبادئ والمعاني الحقيقية، ولم يعد سكانه كما كانوا.
ترك البلاد وسافر إلى فرنسا، وجمعه القدر بمحبوبته التي استأمن عليها القائد “سي الطاهر” قبل وفاته ليسجلها في الأوراق الرسمية للبلاد، وبعد مرور السنون يلتقي بها القدر في معرض للرسم بفرنسا.
في داخلها يتجدد الشوق والحلم والوطن، حيث يرى فيها الجزائر ويشم فيها رائحة قسنطينة. كانت الفتاة أصغر منه بخمسة وعشرين عاما، ولكنها تبادلت معه بعض هذه المشاعر، ولم يتمكن من تفسير معناها بعد ذلك. هل أحبته حقا أم كانت مجرد ارتياح وشعور بالحنين؟ أم رأت فيه الأب الذي فقدته والأمان الذي تتوق إليه.
ولكن كل هذا انهار عند عتبات الألم والفراق، حيث وصلته دعوة من عمتها “سي الشريف” لحضور حفل زفافها. ظهرت حياة أمامه بصورتها الحقيقية، فتزوجت رجلًا من الجيش الفاسد، الذي يشار إلى فساده واستغلال سلطته في كل مكان. أكدت حياة أن القوة والمال هما سبب انهيار الوطن.
وبهذا فقد « خالد بن طوبال » الأمل وصار يتجرع الألم والغربة طوال الوقت فلقد طعنته حبيبته وصارت الحياة موتًا بالنسبة له، وفي محاولة منه لوأد حب حياة في قلبه سعى لتنفيذ كلامها حينما قالت له إن كتابتنا عن من نحب هي قتل لهم بداخلنا إلى الأبد؛ فكتب لنا عنه وعن حياة وعن الوطن والغربة والألم والقهر والانتهاء.