منذ زمن بعيد وقبل ثلاثة آلاف سنة، بدأ أجدادنا في التساؤل عن موقعهم الجغرافي في العالم، وكانت الإجابة على هذا السؤال هي الحافز الذي دفع علماء العصر آنذاك لاكتشاف خرائط جغرافية ساعدتهم في تحديد مكانهم في العالم.
تعتبر الخرائط التي جمعتها الحضارات والبشرية جميعا من أقدم الخرائط المعروفة، وقد تمثلت في قطعة طينية صنعت بين ٥٠٠ إلى ٧٠٠ قبل الميلاد، وكانت تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة ولم تكن موثوقة بما يكفي لاعتمادها من قبل المسافرين في رحلاتهم. وأما أول خريطة فعلية في العالم، فكانت خريطة بطليموس التي صممها كلاوديوس بطليموس في القرن الثاني عشر الميلادي.
من هو كلاوديوس بطليموس
ولد كلوديوس بطليموس في حوالي عام 100 م في صعيد مصر، وترعرع في مدينة الإسكندرية التي بنيت من قبل الإغريق القدماء، ولكن في وقت لاحق غزاها الرومان. كلوديوس هو اسم روماني وكان كلوديوس بطليموس مواطنا رومانيا، ولكن بطليموس هو اسم يوناني وكتب باللغة اليونانية. ربما كان يرتبط بالسلالة الملكية بطليموس اليونانية، التي أطيحت بها الرومان في 30 قبل الميلاد، ولكن لا يوجد دليل مباشر لدعم علاقته بالسلالة الملكية.
قام بكتابة عدة أطروحات وأبحاث في مجالات مختلفة، بما في ذلك علم الفلك والرياضيات والفيزياء والبصريات، وكان له اهتمام خاص بالجغرافيا. يعد العالم بطليموس عالما إغريقيا شهيرا، وقام برسم خرائط شبه الجزيرة العربية وله تأثير عظيم في تطوير الفكر الجغرافي عند الإغريق. ويعد مؤسسا لعلم الجغرافيا وأول من وضع أسس علم تخطيط الخرائط.
قام بتأليف كتابه الشهير Geographia، وترجمت نسخة منه من اليونانية إلى اللاتينية في عام 1407. أحدث الكتاب ضجة كبيرة، لأنه تحدى أساس صناعة الخرائط في العصور الوسطى، حيث كان صانعو الخرائط لا يستندون للحسابات الرياضية. في الواقع، أثبت العديد من حسابات بطليموس لاحقا أنها غير صحيحة. ومع ذلك، فإن إدخال الرياضيات وفكرة القياس الدقيق ساهما في تغيير كبير لطبيعة رسم الخرائط في أوروبا إلى الأبد. وتم إنتاج نسخة من خريطة العالم لبطليموس في عام 1482.
تفصيل خريطة بطليموس
لفترة طويلة من الزمن، كانت الخرائط الكلاسيكية التي رسمها بطليموس هي الخرائط الوحيدة المتاحة لشبه الجزيرة العربية، وكانت تحظى بصدى ومكانة بارزة لكل من يريد السفر إلى هذه المنطقة، كما كانت تستخدم كمرجع وحيد يحتوي على معلومات وتفاصيل ثمينة عن المنطقة، وخاصة بالنسبة للطريق الذي كان يسلكه التجار في ذلك الوقت والذي اشتهر باسم طريق التوابل، والذي يمتد من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورا بمكة والمدينة المنورة وينتهي في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
قسم العالم بطليموس شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام رئيسية. المنطقة الأولى هي Petria arabia وتقع جنوب غرب الشام. أما القسم الثاني فهو الصحراء العربية ويشمل بداية منطقة بادية الشام، والقسم الثالث يشمل العربية السعيدة ويشمل بلاد اليمن التي كانت تسمى سابقا بالأرض الخضراء أو البلاد السعيدة، حيث ازدهرت فيها العديد من الحضارات بما في ذلك حضارة معين وحضارة سبأ.
أظهرت خرائط بطليموس وجود تجمعات كبيرة من خزانات المياه في منطقة حضرموت، بالإضافة إلى تدفق نهرين في المحيط الهادئ وشرق البحر الأحمر. يشير ذلك إلى أن مناخ شبه الجزيرة كان أقل جفافا قبل ما يقرب من 1800 عاما مقارنة بالحالة الحالية. وعلى الرغم من أن خريطة بطليموس أدت إلى تغييرات في المعرفة الجغرافية في ذلك الوقت، إلا أنها كانت تحتوي على العديد من الأخطاء التي لم يتم تصحيحها فيما بعد.
خريطة آسيا السادسة لبطليموس
تم طبع خريطة آسيا السادسة في عام 1478 ميلادي وتغطي المنطقة الكاملة لشبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى البحر الأحمر وأجزاء من مصر وشرق أثيوبيا ومنطقة الخليج وشرق المحيط الهندي وجنوب بحر العرب. تم تقسيم الخريطة وفقا لمقياس خماسي، حيث يحتوي كل قسم على خمس درجات، وتمت كتابة البيانات باللغة اللاتينية، وتم تحديد المدن بوصفها نقاطا دقيقة، بينما تم رسم الجبال بواسطة خطوط تشبه الأهرامات الصغيرة والداكنة.
كانت خرائط بطليموس تشبه اللوحات الفنية ولم يكن من السهل فهمها. ومع ذلك، قام العديد من مصممي الخرائط بتصحيحها، وكان جاياكومو جاستالدي واحدا منهم. قام جاستالدي في عام 1548 بتعديل أسماء ومواقع المدن وقدم أول خريطة حديثة لشبه الجزيرة العربية. كانت هذه الخريطة صغيرة الحجم وتحتوي على القليل من التفاصيل، حيث لم تظهر معظم أسماء المدن. كانت طريقة رسم الجبال مختلفة عن الطريقة المستخدمة في خريطة بطليموس، وكانت أسماء المدن غير متطابقة، مما أثار شكوكا حول مدى الاعتماد على عمل بطليموس، على الرغم من أن المعالم الطبيعية للخريطتين كانت متشابهة.