المجتمعمنوعات

ثقافة التسامح

أصبح مفهوم التسامح مصطلحا شائعا يستخدم بشكل كبير في السياقات المختلفة مثل الدينية والاجتماعية والثقافية، وذلك لوصف مواقف واتجاهات الأفراد والجماعات وحتى الدول التي تتسم بالتسامح أو بالاحترام غير المبالغ فيه للممارسات التي ينبذها غالبية المجتمع، والتسامح يعبر عن دعم الممارسات والأفعال التي تحظر التمييز العرقي والديني والثقافي ويقف في وجه الممارسات المتعصبة .

تعتمد فكرة التعصب على التمييز الذي يستند إلى الدين أو الثقافة أو العرق أو الجنس، وتشير الأعمال الفكرية الكثيرة إلى أن مصطلح التسامح ظهر كتعبير عن التساهل الديني والفكري مع الأقليات الدينية، وذلك بعد الإصلاح البروتستانتي، وعلى الرغم من ذلك، انتشر استخدام المصطلح للإشارة إلى الممارسات والجماعات والأفكار التي لا يتبناها الغالبية في المجتمع.

 تاريخ التسامح

بدأت أولى المحاولات لوضع أسس ونظرية حول فكرة التسامح في القرنين السادس عشر والسابع عشر، استجابة لحركة الإصلاح البروتستانتي المعروفة أيضا باسم الثورة البروتستانتية أو الإصلاح اللوثري، والتي جاءت ردا على ما عرف باسم حروب الأديان والاضطهادات التي كانت تبرر أسباب اندلاع هذه الحروب وإعدام الأفراد المدانين بتهم الهرطقة أو الزندقة والسحر.

تضمنت فترة العرض عرضًا لكتاب أمثال سيباستيان كاستيلو وميشيل دي مونتين، لمناقشة فكرة التسامح.

صدرت العديد من الكتابات التي دارت حول التسامح في بريطانيا خلال القرن السابع عشر وفي أثناء وعقب الحروب الأهلية الإنجليزية المدمرة. ومن أشهر هذه الكتابات كتابي المفكر جون لوك “رسالة في التسامح” و “رسالتين في الحكم”، والتي قدم فيهما نظرية مفصلة ومنظمة لفكرة التسامح.

صدر عام 1689 قانون التسامح البريطاني كنتيجة للجهد الفكري المبذول لدعم فكرة التسامح وإرساء مبادئها، مما فتح الباب لتطوير وانتشار فكرة التسامح، وشارك في تطوير فكرة التسامح الديني على نطاق واسع في عصر التنوير العديد من الفلاسفة والكتاب مثل فولتير وليسينج.

التسامح والمظاهر المرتبطة به وأنواعه

توجد أنواع مختلفة من التسامح، وتختلف مظاهرها تبعاً لنوع التسامح، ومن بين هذه الأنواع:

1 – التسامح الديني

يعتبر التعايش بين الأديان، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، والتخلي عن التعصب الديني من أهم مظاهر التسامح الديني.

2- التسامح الفكري والثقافي

من مظاهر الإيمان بالتعددية الثقافية هو عدم التعصب للأفكار، واحترام أدب وفن الحوار والحق في إبداء الرأي.

3- التسامح السياسي

تعتمد مظاهر التسامح السياسي على مبدأ الديمقراطية وضمان الحريات السياسية.

4- التسامح العرقي

قبول الآخر، والتعايش المشترك مع أعراق مختلفة، ورفض التمييز العنصري.

 ثقافة التسامح

تسعى العديد من دول العالم إلى نشر ثقافة التسامح في مجتمعاتها وللمساهمة في نشرها عالميا، نظرا لما تحققه هذه الثقافة من تعزيز السلام والتعايش السلمي بين الشعوب المختلفة وأفراد المجتمع ذاته. ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة تواجه ثقافة التسامح، وتتمثل في التسامح مع الأشخاص المتعصبين، وقد تم التعبير عن هذه التحديات من وجهتي نظر مختلفتين من قبل الفيلسوف كارل بوبر والفيلسوف جون راول.

أيدبوبر في كتابه “المجتمع المفتوح وأعداؤه” رفض التسامح مع المتعصبين، حيث أن المجتمع يحتوي على جماعات مختلفة لا يمكنها الاتفاق على رأي واحد في العديد من الأحيان، والتسامح مع المتعصبين يمكن أن يضعف دعائم المجتمع، ورغم ذلك يعتمد المجتمع على التسامح.

قدم الفيلسوف جون راولز في كتابه `نظرية العدالة` جزءا مخصصا لدراسة هذه المشكلة، وخلص إلى أنه يجب على المجتمع أن يكون متسامحا مع المتعصبين، وأن للمتعصبين حق الشكوى إذا لم يتم التسامح معهم، وقد برر راولز هذا الرأي بأنه إذا لم يتسامح المجتمع مع المتعصبين، سيتحول إلى مجتمع متعصب، وعلى المؤسسات الاجتماعية أن تحمي نفسها.

 

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى