تفسير ” وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه “
{ وأوحينا إلى أم موسى أن ترضعه فإذا خشيت عليه فألقيه في البحر ولا تخافي ولا تحزني إنا سنرده إليك وجعلناه من المرسلين فأخذه آل فرعون ليكونوا لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا فاسقين وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون } [ سورة القصص: 7-9
تفسير الآيات ابن كثير :
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } : ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون : أنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم، وغلمانهم يقتلون، ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عاماً وتركهم عاماً، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الوالدان، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الوالدان، وكان لفرعون موكلون بذلك وقوابل يدرن على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط.
إذا ولدت المرأة جارية، تترك وتذهب، وإذا ولدت غلاما، يذهب الذباحون ويقتلوه، ولكن عندما حملت أم موسى به عليه السلام، لم تظهر عليها مخايل الحمل ولم تلاحظها الدايات، ولكن عندما وضعت ذكرا، ضاقت به ذرعا وخافت عليه، فحبته زيادة، وكان موسى عليه السلام يحبه ولا يراه إلا هو، وقال تعالى: “وألقيت عليك محبة مني” [طه: 39]، وعندما ضاقت به ذرعا، أوحى الله إليها أن ترضعه، وإذا خافت عليه فتلقيه في اليم، ولا تخف ولا تحزن، فإنه سيعيد إليك وسيجعله من المرسلين
وذلك لأنها كانت تسكن على حافة النيل، فقامت بصنع تابوت ومهدته فيه مهدا، وجعلتها ترضع ولدها. فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه، ذهبت ووضعته في ذلك التابوت، وأطلقته في البحر وربطته بحبل عندها. وفي يوم ما، دخل عليها من تخافه، فذهبت ووضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر. وعجبت من تربيطه، فذهب مع التيار واحتملته حتى وصل به إلى دار فرعون، فالتقطته الجواري واحتملنه. ثم أحضرنه لامرأة فرعون، ولا يعلمن ما فيه. وخشين أن يفتنن بها حين يفتحون التابوت دون وجودها. فلما كشفت عنه، إذا هو طفل من أجمل الخلق وأحلاهم وأبهاهم. فوضع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك بسبب سعادتها وما أراد الله نيلها من الكرامة وشقاوة زوجها.
ولهذا قال : : يقول محمد بن إسحاق إن اللام في العبارة “فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا” ليست لام تعليلية بل هي لام عاقبة، لأنهم لم يقصدوا التقاطه لهذا السبب. ويشير الله في القرآن الكريم إلى أن فرعون وهامان وجنودهم كانوا مخطئين. وروى أمير المؤمنين، عمر بن عبدالعزيز، أنه كتب رسالة إلى قوم من القدرية يدحض فيها ادعائهم بأن الله يتحكم في أقدارهم، وأن موسى كان عدوا ومصدر حزن لفرعون بسبب علم الله الذي كان يتمتع به.
وقوله تعالى : وأوضحت امرأة فرعون، قرة عين، أن فرعون كان يريد قتل موسى خوفا من أن يكون من بني إسرائيل. ولكن زوجة فرعون، آسية بنت مزاحم، تخاصمت لصالح موسى وأحبته. وقالت: “قرة عين لي ولك”. فقال فرعون: “إنما لك”. ولم يكن لها ولد من فرعون، فأرادت تبني موسى، ولكن الله هداها وأهلك فرعون. وقالت: “عسى أن ينفعنا”، وهذا ما حدث حقا، فهداها الله وأسكنها الجنة بسبب توبتها. وأرادت تبني موسى وجعله ولدها، ولكن الله أخذه منها بحكمته العظيمة، وهم لم يشعروا بالحجة القاطعة والحكمة العظيمة التي اختارها الله.