تفسير قول الله تعالى ” الرحمن على العرش استوى “
معنى استوى في قوله تعالى ثم استوى على العرش
تعني كلمة `استوى` في قوله تعالى `ثم استوى على العرش` وفقًا لقول أهل العلم العلو والارتفاع على العرش، وهذا معروف من حيث اللغة العربية، ولكن غير معروف من حيث الكيفية.
يعني استواء الله تعالى أنه استوى على عرشه وارتفع فوقه بارتفاع يليق بجلاله وعظمته، لا يشبهه في صفاته أحد من الخلق، سواء في الاستواء أو غيره.
ذلك لأن استواء الله سبحانه وتعالى مختلف عن استواء الخلق من حيث الكيفية، والله سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء.
وذلك استنادًا إلى قول الله تعالى في سورة الشورى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وقول الله تعالى في سورة النَّحْلِ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وصف الاستواء على العرش ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع، والله سبحانه وتعالى هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يوجد شبيه له سبحانه وتعالى.
لا يشبه الله سبحانه وتعالى خلقه في أي شيء من صفاته، بل لديه صفات خاصة تليق بعظمته وجلاله، وكذلك بقية الصفات الأخرى. [1]
في سورة طه، يقول الله تعالى في الآية الخامسة: (الرحمن على العرش استوى)، وهي من سور المكية التي نزلت في مكة المكرمة، باستثناء الآية 130 و131 التي نزلت في المدينة المنورة. وتعد من السور العظيمة الفضل، وسنتعرف في السطور القادمة على تفسير هذه الآية الكريمة.
تفسير قول الله تعالى ” الرحمن على العرش استوى “:
– تفسير الطبري: فسر الطبري قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )، حيث يقصد الله أنه سبحانه وتعالى ارتفع على عرشه، فالاستواء تعني العلو والارتفاع والاستقرار، والاستواء على العرش هي صفة لله تعالى، ووقد تم ذكر هذه الصفة في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وهي لا تعني الجلوس لأن الله تعالى لا يشبهه أحد في ذاته، ولا يشبهه في صفاته أحد.
تتعلق الآية الشريفة بالآية التي قبلها (تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العليا)، وتعني أن الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل القرآن الكريم، واستوى على العرش.
– تفسير بن عاشور: فسر بن عاشور قول الله تعالى (الرحمن على العرش استوى)، بأن (على العرش استوى) يعني أن الرحمن في حالة الاستواء على العرش، أو قد يكون الجملة خبرا ثانيا والمبتدأ محذوف، وفسر كلمة الاستواء بالاستقرار، وذلك استنادا إلى قوله تعالى في سورة المؤمنين (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك)، وقوله تعالى في سورة هود (واستوت على الجودي).
تفسر كلمة العرش بأنه إحدى العوالم العظيمة السامية، ويقال إنه أعلى من السماوات وأكثر عظمة ورهبة. هناك من يفسر كلمة العرش بأنه كرسي فخم يجلس عليه الملك، ولكن الكرسي ليس العرش. تم ذكر استواء الله على العرش لإظهار عظمة الله تعالى وسلطانه، ولتأكيد تلك العظمة نزلت الآية بعد قوله: (ممن خلق الأرض والسماوات العلى).
تم ذكر الاستواء لإبراز عظمة الله تعالى، وأنه هو أعظم الملوك، إذ يعلو ويرتفع عن العرش العظيم الذي لا مثيل له، وذُكرت هذه الصفة لأن العرب كانوا يضربون الأمثال في السابق عن مدى عظمة ملوك الفرس وملوك الروم .
يعني التعبير عن العرش بالاستواء عليه الاستيلاء، ويرى البعض أن ذلك يؤكد حسب قول الأخطل تمثيلًا للآية التي تقول: `قَدِ اسْتَوَى بَشَرٌ عَلَى الْعَرْشِ… بِغَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقٍ`.
تفوقت كلمة “الرحمن” في هذه الآية على قوله تعالى في سورة الأعراف “ثم استوى على العرش”، وهذا يدل على عظمة وسلطان الله، فكل من آيات “له ما في السموات والأرض” و”الرحمان على العرش استوى” تدل على عظمة وقدرة الله تعالى وسعة سلطانه.
– تفسير الوسيط لطنطاوي: فسر قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى)، بأن الله سبحانه وتعالى يمدح ذاته، فالرحمن هو الله عز وجل، وتعني جملة استوى على العرش أنه استوى وارتفع بملكه واستوى استواء يليق بذاته الإلهية، وذلك الاستواء والترفع ليس له شبيه، فالله لا يشبهه أحد، وقد قال الإمام مالك في هذه الآية: (الاستواء غير معروف، والكيف غير مفهوم، والكيف غير مفهوم، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
بالنسبة لكلمة (العرش)، فإنها تعني شيئا عظيما وتم ذكر كلمة العرش في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وعدد آيات القرآن الكريم التي تحتوي على كلمة العرش هو 21 آية، وقد أشار بعض العلماء إلى أن استواء الله على العرش هو صفة من صفاته، واتفقوا على أنها لا تحمل أي صورة أو حدود أو تشبيه أو تمثيل، وذلك لأنه من المستحيل أن يشترك الله تعالى في صفات المخلوقات، فالله ليس كأي شيء آخر، وهو السميع البصير، ويجب أن نؤمن بهذه المعاني كما جاءت في القرآن الكريم.