تفسير قول الله تعالى ” إنما النجوى من الشيطان “
في سورة المجادلة ذكر الله تعالى أن النجوى من الشيطان ويحزن المؤمنين، ولكن ليس للشيطان ضر على المؤمنين إلا بإذن الله، وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله.
تفسير قول الله تعالى ” إنما النجوى من الشيطان “
تفسير الطبري
فسر الطبري قوله تعالى : تعتبر النجوى من الشيطان إلا ليسأل الذين آمنوا ولا يمكن أن يضرهم إلا بإذن الله، وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله. تختلف آراء أهل العلم في تفسير قوله تعالى “النجوى من الشيطان”، فقد قال بعضهم إنها تعني التحدث السري بين المنافقين بعضهم لبعض، وقد قيل عن قتادة في قوله تعالى “إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا”: كان المنافقون يتناجون سرا بينهم، وكان ذلك يثير غضب المؤمنين ويزيدهم ألما، فأنزل الله في هذا القرآن هذه الآية.
وقد قال ابن زيد في قول الله عز وجل (إنما النجوىٰ من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله): كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الحاجة، ليرى الناس أنه قد ناجىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع ذٰلك من أحد، قال: والأرض يومئذ حرب علىٰ أهل هذا البلد، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت، وجموع قد جمعت لكم وأشياء، فقال الله: (إنما النجوىٰ من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) إلىٰ آخر الآية، وقيل عن معمر: كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون، يشق عليهم، فنزلت (إنما النجوىٰ من الشيطان ليحزن الذين آمنوا)
ويقول آخرون إن النجوى من الشيطان تشمل الأحلام التي يراها الإنسان في نومه وتسبب له الحزن. وقد قال يحيى بن داود البلخي: سئل عطية وأنا أسمع الرؤيا، فقال: تتنوع الرؤيا بثلاثة أنواع، ومنها وسوسة الشيطان، وهذا هو قوله: (إنما النجوى من الشيطان). ومنها ما يتخيله الإنسان نفسه في النهار ثم يراه في الليل، ومنها كالأخذ باليد.
يعتبر الأقرب للصواب هو أن يتوجه المؤمن بالمنافقين بالخطيئة والاعتداء،
تفسير القرطبي
فسر القرطبي قوله تعالى : (النجوى من الشيطان) هي تناجي الشياطين للمسلمين وإيهامهم بأنهم يتم التحدث عنهم في السر، ويؤدي ذلك إلى حزن المؤمنين، ولكنهم لا يضررونهم بأي شيء إلا بإذن الله، ولذلك يجب على المؤمنين التوكل على الله. و(التناجي) لا يحدث إلا بإذن الله، أي بمشيئته وعلمه وأمره .
قيل عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانت ثلاثة أشخاص، فلا يتكلم اثنان منهما سرا دون الثالث، وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة أشخاص، فلا يتكلم اثنان دون الثالث حتى يندمجوا مع الآخرين، لأن ذلك سيسبب حزنا للشخص الذي يتم تجاهله. يتضمن هذا الحديث منعا تاما لأن الشخص الثالث يجب أن يجد شخصا يتحدث معه، كما فعل ابن عمر. فقد كان يتحدث مع رجل، ثم جاء شخص آخر يريد التحدث به سرا، فلم يتحدث معه حتى دعا شخصا رابعا. ثم قال للأول والثاني: انتظرا واتركوا الرجل الذي يرغب في الحديث السري. هذا ما ورد في الموطأ، ويشدد على هذا المنع بذكر السبب، الذي هو أن الشخص سيشعر بالحزن لأنه يعتقد أن الحديث يدور حوله بطريقة يكرهها، أو أنه لم يكن مؤهلا للمشاركة في حديثهم. وهناك أمور أخرى من أفعال الشيطان وأحاديث النفس تؤدي إلى ذلك، ويحدث كل ذلك عندما يكون الشخص وحده. إذا كان معه شخص آخر، فهذا سيضمن عدم حدوث ذلك. وبالتالي، ينطبق هذا المنع على أي عدد، فلا ينبغي أن يتحدث أربعة أشخاص سرا دون الآخر ولا عشرة ولا ألف، إذا كان هذا السياق متوفرا في حقه. ولكن الذكر الخاص بالثلاثة، لأنه هو أول عدد يتم فيه هذا الحظر .