تفسير الآية ” وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك “
قال الله تعالى { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ } [سورة الزخرف: 49-50]
تفسير الآية ” وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك ”
القول في تأويل قوله تعالى: يقول تعالى ذكره: “وقال فرعون وملؤه لموسىٰ: يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك ۖ إننا لمهتدون”. ويعنون بقولهم “بما عهد عندك” بعهد الله الذي عهد إليك أنا، إن أمنا بك واتبعناك، كشف عنا الرجز.
وفيما يتعلق بقول الله تعالى: { بما عهد عندك }، قال مجاهد: إذا آمنتم بي واتبعتم ما أمرتكم به، فسوف يرفع عنكم العذاب. وإذا قال لكم أحدهم: ما هو الأمر الذي يجب علي إيمانكم به واتباعه، وما هو الاسم الذي يجب أن أدعو به ربي ليفك عنكم العذاب؟ فقيل له: ادع ربك بأنه عالم بالأمور، وسموه بـ”يا أيها العالم” بدلا من “يا أيها الساحر” كما وصفوه، لأن الساحر هو المعنى الذي يراد به العالم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يا ساحر، يا عالم، وكان الساحر فيهم محترما وموقرا، ولم يكن السحر عيبا. ويمكن أن يكون المراد بالساحر هنا هو الاستفهام، حيث لم يتمكنوا من تحقيق الحقيقة بوساطة السحر، وقد قال ابن جرير: `يا ساحر`، ولم يكن قولهم هذا للإهانة، بل كان في زعمهم تعظيما، كما قال ابن كثير. وعلماء زمانهم هم من كانوا السحرة، ولم يكن السحر في زمانهم مذموما عندهم.
في كل مرة يعدون الناس موسى عليه السلام بأن يؤمنوا به ويرسلوا معه بني إسرائيل، ولكن في كل مرة يخونون عهدهم، وينكثون ما وعدوا به، وهذا مثل قوله تعالى: {ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلىٰ أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون} [سورة الأعراف: 134-135]
وقوله: { إننا لمهتدون } قالوا: إنا لمتبعوك، فنصدقك فيما جئتنا به، ونؤمن بوحدانية الله، فنرى طريق الهداية. وبنفس المعنى الذي قلناه في ذلك، قال أهل التأويل وعن قول قتادة: { يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } قالوا: يا موسى، ادع لنا ربك؛ لأننا إذا تخلصنا من البلاء، سنؤمن بك. وقيل إنهم يخبرونه بإيمانهم بالله، فلما تخلصوا من العذاب، انقلبوا عن الإيمان.
وقوله : { فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون } يقول تعالى ذكره: بعدما رفعنا عنهم العذاب الذي أنزلنا بهم، الذي وعدوا أنهم إن كشف عنهم اهتدوا لسبيل الحق، إذا هم بعد ذلك الكشف ينقضون العهد الذي عاهدونا عليه: يغدرون ويصرون على ضلالهم، ويتمادون في غيهم. وقال قتادة: { إذا هم ينكثون }: أي يغدرون، وقيل { فلما كشفنا عنهم العذاب } أي دعا فكشفنا، أي بالدعاء الذي قام به موسى، { إذا هم ينكثون } أي ينقضون العهد الذي عاهدوا عليه أنفسهم فلم يؤمنوا، وقيل ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.