تفسير الآية ” واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف “
قال الله تعالى: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (22) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم بما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون (23)} [سورة الأحقاف: 21-23]
تفسير القرطبي
قوله تعالى {واذكر أخا عاد} يشير إلى هود بن عبدالله بن رباح عليه السلام، حيث كان أخا لهم في النسب وليس في الدين. {إذ أنذر قومه بالأحقاف} يعني أنه كان يذكر قصة عاد لتعتبر بها هؤلاء المشركين، وقيل أنه أمر بتذكر قصة هود في نفسه ليقتدي بها ويتحمل تكذيب قومه له. والأحقاف هي ديار عاد، وتعني الرمال العظام وأعوجها، ولم تكن جبلا.
قال ابن زيد : هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال، ولم تبلغ أن تكون جبالًا، وشاهده ما ذكرناه. وقال قتادة : هي جبال مشرفة بالشحر، والشحر قريب من عدن، يقال : شحر عمان وشحر عمان، وهو ساحل البحر بين عمان وعدن. وعنه أيضا : ذكر لنا أن عادًا كانوا أحياء باليمن، أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر. وقال مجاهد : هي أرض من حسمى تسمى بالأحقاف. وحسمى (بكسر الحاء) اسم أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها.
وقال ابن عباس والضحاك: الأحقاف جبل في الشام، وواد يقع بين عمان ومهرة. وقد قال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في هضبة موت بواد يسمى مهرة، ويربط الإبل المهرية بهذا المكان. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع، وكانوا من قبيلة إرم. وقال الكلبي: إن أحقاف الجبل لم ينضب عنها الماء في زمن الغرف، إذ كان يجف الماء من الأرض ويترك آثاره.
روى الطفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: أفضل واديين في الناس واد بمكة وواد نزل به آدم في أرض الهند. وأسوأ واديين في الناس واد بالأحقاف وواد بحضرموت يسمى برهوت حيث يقتل فيه الكفار. وأفضل بئر في الناس بئر زمزم، وأسوأ بئر في الناس بئر برهوت الذي يقع في ذلك الوادي بحضرموت. وقد مضت الرسل وأنبياء الله من قبل نبيه هود.
ومن وراءه، أي بعده، وفقا للفراء. وفي قراءة ابن مسعود، `من بين يديه ومن بعده`. `ألا تعبدوا إلا الله`، هذا جاء من قول المرسل، فهو كلام معترض. ثم قال هود: `إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم`، ويقال: `ألا تعبدوا إلا الله` من كلام هود، والله أعلم.
قوله تعالى { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا } فيه وجهان: هناك سببان وراء هذا الوعد: الأول هو لنزع عنا الشك بخصوص عبادة الأصنام بالإفك، والثاني هو ليصرفنا عن عبادة الآلهة بالمنع. قال الضحاك: “فأتنا بما تعدنا”، وهذا يدل على أن الوعد قد يوضع مكان الوعيد، و”إن كنت من الصادقين” تعني أنك نبي، و”قال إنما العلم” يعني بمجيء العذاب، و”عند الله” تعني ليس عندي، و”ولكني أبلغكم ما أرسلت به” يعني بأني أخبركم بما أوصاني به ربكم، و”ولكني أراكم قوما تجهلون” يعني في سؤالكم تستعجلون العذاب.