تفسير « إذا جاء نصر الله والفتح »
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابا. قال الحافظ البيهقي: عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية {إذا جاء نصر الله والفتح} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، وقال: “إني قد نعيت إلى نفسي”، فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: “اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي”، فضحكت.
تفسير الآيات:
قال البخاري: عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه ممن علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رؤيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فقال بعضهم أمرنا ان نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صل الله عليه وسلم أعلمه له، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول.
قال الطبراني: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: عندما نزلت آية `إذا جاء نصر الله والفتح` حتى انتهت السورة، قال: نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عندما نزلت هذه الآية. ثم أخذ بأشد ما قد بذله من جهد في شأن الآخرة. وبعد ذلك، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `جاء الفتح ونصر الله، وجاء أهل اليمن`. فسأل رجل: يا رسول الله، فمن هم أهل اليمن؟ فقال: `هم قوم قلوبهم رقيقة ولينة، إيمانهم في اليمن، وفقههم في اليمن`.
ما هو الفتح المقصود من الآيات ؟
والمراد بالفتح في الآيات هو فتح مكة قولًا واحدًا فإن أحياء العرب، كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمضي سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانًا، ولم يبق في سائر قبائل العرب، إلا مظهر للإسلام، ولله الحمد والمنة. وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: دعوه وقومه، فغن ظهر عليهم فهو نبي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، حثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبدالله قال: «قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبدالله فسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس، وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا».