تحليل جدارية محمود درويش
ما هو تحليل جدارية محمود درويش
تتمثل هذه الجدارية في تعليق الكلام في الأذهان وجعله يتردد في أذنينا، حيث يستدعي الشعور ويؤثر على الروح تماما كما لو كنا نشهد عملية جراحية شخصية، لنعرف ما هو الوقت الذي استغرقته تلك العملية الجراحية للشاعر؟ من حيث الشعر، يعتبر ذات المدة التي استغرقتها الطريقة الأولى لكتابة هذه الجدارية بنفس الرموز، وبفضل كفاءة الشاعر الجيدة، تتعلق هذه الجدارية في ذهننا وترسم في خيالنا. وقد ساعده الشاعر أيضا استخدام اللغة وقواميسها، التي يحرص درويش على تنظيمها بشكل جيد بأسلوبه الخاص وزخرفاته التي تعبر عن أعماق الذات وتمثل تاريخا وأساطير.
وهي تغوص أيضا في المقدسات الإسلامية والمسيحية، وترتبط بالأرض مثل حائط أورشليم في عكا، وهي إحدى المدن القديمة الجميلة، ومنذ البداية كان لقب الدرويش مرتبطا بالاسم، ويعني لفظ الدرويش في اللغة ذلك المتصوف الزاهد عن الحياة الذي يرتبط بعالم من الغيب لا يمكن رؤيته، حالما مع نفسه يرى حروفا لها أنبياؤها
يجب أن يلفظ المتحدث حروفا بطريقة صحيحة وفقا للمخارج الصوتية الموجودة، ويفتح المجال للغيب الذي يحوي مائة ألف حجاب، فهؤلاء الزاهدون الدراويش يعتبرون عارفين ضالين هناك بأمور لا يدركها إلا هم، مثل الرسم لحرف أو لكلام أو للجسم، وهذا هو الشعر المحمود الذي يصل من خلال مطولة هادئة ولكن يشملها صوت ناري يعظم في المساء، وتصرخ آلة الصوفية في الحرف، إذ تقود جدارية الحرف إلى جدارية أعمق منها تتمثل في جدارية الشعر، وكذلك تقود هويته المرتبطة بالفلسفة، حيث تنطلق رؤية من العين تجعل المتخيل يتأسس في الفكر والشعر وحتى في الوجود، كما قال بن عربي: “رأيت حبيبي الفرنسي يفتح زنزانته، رأيت أبي عائدا، رأيت شبابا مغاربة يلعبون الكرة، رأيت روحي شار يجلس مع هايدجر على بعد مترين مني، رأيت المعري يطرد نقاده قائلا `لا أنا أعمى لأبصر ما تبصرون`، رأيت بلادا تعانقني بأيدي صباحية”. لنرى تلك التفاصيل الدقيقة التي تنبع من عمق الحالة الجدارية التي يمر بها الشاعر، وتتمثل في رؤية ورؤية
ارتباط ابو نواس وشعر الذات بجدارية محمود درويش
أبو نواس هو شاعر كبير واحد من أهم شعراء عصره وجميع العصور، حيث كتب في شعره عن كل شيء من المحرمات الجسدية ونبش في خبايا الروح، مما جعله موضع استثناء بين الشعراء. كما أن شعره يعتبر مخالفا وفاضحا، ومع ذلك تم الاستشهاد به في دروس البلاغة والنحو عن طريق كثير من الفقهاء. يمكن التمييز بين درجة الحمدية أو المحمودية من خلال التجربة وصدق ما يمر به الشاعر. يتمثل شعر الذات في علاقة الذات بنفسها مسجدا أولا، كما أنه يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لمسار الشعر الحديث والكلاسيكي. وما يميز هؤلاء الشعراء عن غيرهم هو نقلهم لمعاناة الجسد المعري والتجارب العالمية، كما فعل رامبو وبودلير وغيرهم من شعراء الغضب الأمريكي، والذي يدعى بوكوفسكي الذي كان شعره في قمة التمرد الجسدي المعاصر الذي حاضر حياته أيضا، وليس شعره فقط. ورغم ذلك، أصبح مشهورا لدرجة جعلت جميع الشعراء الشباب يعشقونه في كل أنحاء العالم. يمكن للشعر أن يكون مذموما ومحمودا في آن واحد إذا ارتبط بتجربة الجسد، ويمكن أن يصنع النرجسية التي يتميز بها الشعر العربي، ويكون الشاعر المتنبي على قمة هذه النرجسية
تعريف الشعر المحمود والليلة الدرويشية
الشعر المحمود هو الشعر الذي يرتبط بالذات والجسد والتجربة الكيانية المرتبطة بالوجود، وهذا هو التعريف الذي ينطبق على شعر درويش في الليلة الدرويشية. وتعد الليلة الدرويشية احتفالا وتكريما للشاعر والشعر وللجمهور، وتحضرها حضرة البهاء الإداري وتتميز بعدم استخدام الهواتف. وستنتشر جدارية درويش عبر الآذان العربية بصوت درويشي يخترق جدار الأذن ويمتزج مع الجسد. ويمثل الجدار حاجزا بين الأشخاص ويتمثل في جدار برلين وجدار الفيزا، وتعتبر الجدارية سبيلا لتعليق الأحلام والكلام والصور على نيران القلب والجسد وحتى الأذن، مما يثير مشاعر الشاعر ويسبب له محنا وأحزانا، وفي التراث العربي تعتبر الدرويش شخصا يعيش حياة بسيطة ويسعى للتقرب من الله بالتأمل والصوم والعزلة عن الدنيا المادية. وقد اشتهرت الشعراء الدرويشة في العصور الوسطى في العالم الإسلامي، وكان لهم دور كبير في نشر الفكر الصوفي والتأملي في المجتمعات الإسلامية. ويعد شعر درويش في الليلة الدرويشية من الأعمال الشعرية الرائعة التي تجسد هذه الفلسفة والروحانية
نبذة عن جدارية الوجود لمحمود درويش
توجد جدارية ذات عمق أكبر من جدارية الشعر، تنحدر منها التاريخ، حيث بدأ نشأة الشاعر الفلسطيني درويش وسط اليهود الإسرائيليين، وأكدت قناة فرانس 3 الفرنسية في برنامجها في نهاية التسعينيات أن درويش كان يحب فتاة يهودية صغيرة تدعى “رتا”، وانتشرت هذه القصة بين كل المغاربة الكبار والصغار بمساعدة الفنان الكبير مارسيل خليفة، كما أن تاريخ المجاورة بين اليهود والإسلام يعود إلى الجذور الإبراهيمية، حيث شاركوا في بعض الأشياء مثل الكتابة من اليمين إلى اليسار، والتشدد، والقيم، وتقديس الأماكن المقدسة والصلاة، يقول محمود:
- ” أعلى من الأغوار كانت حكمتي
- إذ قلت للشيطان: لا .. لا تمتحني
- لا تضعني في الثنائيات، واتركني
- كما أنا زاهدا برواية العهد القديم
- وصاعدا نحو السماء، هناك مملكتي
- خذ التاريخ ياابن أبي خذ التاريخ
- واصنع بالغرائز ما تريد ” ص : 42_43
هذه تعتبر ملعقة على كل الآذان الجار وحتى العدو، الذي يتعبر رافض لكل شيء الا بشروطه، كما ان التجربة الدرويشية فوق الأربعين عام تعتبر متميزة، كما كانت في مسيرتها الأولى، مثل : قصيدة سرحان يشرب القهوة، واحمد الزعتر، وسرير الغريبة التي تعتبر سوناتا القلب في المضمون وايضا في الشكل وانشودة الحب.