بحث عن قضية فلسطين
هناك ثلاثة جوانب أساسية في مسألة القضية الفلسطينية، والتي جعلتها محور اهتمام العالم العربي والإسلامي على حد سواء. تلك الجوانب تتعلق بقدسية الأرض وبركتها ومركزيتها في قلوب المسلمين، والجانب الثاني يتعلق بطبيعة العدو والادعاءات التاريخية والعقائدية المتعلقة به، والنظرية التوسعية الاستيعابية لطرد الشعب الفلسطيني، والجانب الأخير يتعلق بطبيعة الاتحاد بين العالم الغربي والصهيونية العالمية لتفريق الأمة الإسلامية.
أولًا فلسطين:
يطلق الاسم على القسم الجنوبي الغربي من بلاد الشام ، في غرب آسيا ، على السواحل الشرقية إلى البحر الأبيض المتوسط ، حيث أن لها موقع استراتيجي مهم ، لأنها نقطة الوصل بين قارة افريقيا وآسيا ، فهي نقطة التقاء جناحي العالم الإسلامي.
بداية فلسطين : شهدت أرض فلسطين مراحل التطور الإنساني الأولى، فقد دلت الآثار والحفريات مراحل تحولها من الرعي إلى الزراعة، وكانت أريحا شمال شرق فلسطين أول المدن التي تم بناءها في عام 8000 قبل الميلاد، وكانت تسمى أرض كنعان في أقدم الأزمان، وكان الكنعانيون هم أول الشعوب التي سكنت هذه الأرض، إذ قدموا من الجزيرة العربية في عام 2500 قبل الميلاد.
اسم فلسطين: مشتقة من اسم أقوام بحرية في غرب آسيا الصغرى ومنطقة بحر إيجة، منذ تقريبا القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث تم ذكر الاسم في نقوش مصرية قديمة تحت اسم `ب ل س ت`، وتمت إضافة حرف النون لاحقا. استوطنوا المناطق الساحلية واندمجوا بسرعة كبيرة مع الكنعانيين، ولم يتبق لهم أي تأثير مميز سوى تسمية الأرض باسمهم.
الحدود الجغرافية: لم تتحدد الحدود الجغرافية بدقة حتى بعد احتلال الإنجليز لفلسطين في الفترة من 1920 إلى 1923 م، حيث استمر توسع الحدود عبر التاريخ. وعبرت الحدود عن الأرض الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت ونهر الأردن. وفي العهد الإسلامي، تم تقسيم بلاد الشام، وكانت جنود فلسطين متمركزة من رفح على الحدود المصرية في سيناء، وصولا إلى 18 كيلومترا شمال غرب مدينة جنين. وتغيرت التقسيمات في العهود الإسلامية، لكن فلسطين بقيت جزءا لا يتجزأ من بلاد الشام.
ويعد تقسيم فلسطين الحالي على ثلاثة أقسام، فمساحتها 27009 كيلومتر مربع، ويتمتع مناخها بالبحر المتوسط المعتدل. يتكون القسم الأول من السهل الساحلي، ويتواجد فيه غالبية الفلسطينيين، وتتمركز فيه المراكز التجارية والأنشطة الزراعية والاقتصادية. أما القسم الثاني فيتكون من المرتفعات الجبلية الوسطى، بمناطق نابلس والخليل وهضبة النقب، ويتصدرها ارتفاع جبل الجرمق في الشمال الذي يصل ارتفاعه إلى 1207 متر. والقسم الثالث هو الأخدود الأردني، حيث يجري نهر الأردن ليصب في البحر الميت، وهو أكثر المناطق انخفاضا عن مستوى سطح البحر، حيث يبلغ الانخفاض 400 متر .
ثانيًا مكانة فلسطين في العالم الإسلامي:
وفقًا لنص القرآن الكريم، فإن فلسطين تعد من الأراضي المقدسة، حيث قال تعالى على لسان نبي الله موسى عليه السلام: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} سورة المائدة الآية 21.
وفي سورة الإسراء، قال تعالى: {سبحان الذي أسرىٰ بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، ولذلك فإنها لها مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، فهي أولى القبلتين للمسلمين وثالث أقدس المساجد، وفي السنة يتوجه الناس إليه للصلاة، ويقال إن الصلاة في المسجد الأقصى تعادل 500 صلاة في مكان آخر.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تسافر إلا إلى ثلاثة مساجد – المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.
فلسطين، أرض الأنبياء ومبعث بعضهم عليهم السلام. عاش نبي الله إبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، ولوط، وداود، وسليمان، وصالح، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وزارها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، وصلى فيها بجانب الأنبياء. اختارها الله تعالى تشريفا، وصلاة النبي بالأنبياء لنقل ميراثهم والإمامة وأعباء الرسالة إلى الأمة الإسلامية.
الفتح الإسلامي لفلسطين: من بين المعارك الأكثر بروزا التي أدت إلى فتح فلسطين، كانت معركة أجنادين بقيادة خالد بن الوليد، رضي الله عنه، في عام 13 هـ، ومعركة فحل في غرب نهر الأردن حتى جنوب بيسان، ولكن المعركة الحاسمة كانت في اليرموك شمال الأردن في الخامس من رجب عام 15 هـ، حيث واجه جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح جيش الروم، وأدت المعركة إلى فتح بلاد الشام، وجاء سيدنا عمر بن الخطاب لاستلام مفاتيح بيت المقدس، وأذن سيدنا بلال، وكتب سيدنا عمر ما يعرف بالعهدة العمرية.
اكتسبت فلسطين الطابع الإسلامي منذ الفتح العربي، حيث اعتنق أهلها الإسلام وتعربت لغتهم وتمتزجوا مع القبائل العربية. ولم تؤثر الحروب الصليبية على هوية الأرض والسكان، واستمر الحكم الإسلامي لمدة 1200 عام حتى عام 1917 م .
ثالثًا مزاعم وإدعاءات اليهود :
بني يهود هذا الزمن مزاعم احتلالهم لأرض فلسطين ، على خلفية دينية وتاريخية ، أن الله تعالى وعدهم بهذه الأرض ، من الناحية الدينية فإن الأرض اعطيت إلى بني اسرائيل عندما رفعوا راية التوحيد ، واستقاموا عليها تحت قيادة رسلهم ، ولكنهم انحرفوا وبدلوا وقتلوا انبياءهم ، وعاثوا في الأرض الفساد ، فبالطبع فقدوا تلك الشرعية ، فعودة الإسلام هي امتداد واستمرار لدعوة إبراهيم عليه السلام ، واسحاق ويعقوب واسماعيل وموسى وداود وسليمان عليهم السلام وهم أحق الناس بهذا الميراث .
من الناحية التاريخية، حكمت بني إسرائيل فلسطين لفترة قصيرة لا تتجاوز أربعة قرون، في أجزاء محدودة من فلسطين وليس فيها بأكملها، واستمر الحكم الإسلامي عليها لمدة 12 قرنا، وانقطعت العلاقة الفعلية لليهود بأرض فلسطين منذ 18 قرنا ولم يترك أهل فلسطين الأرض إلا بعد أن استولت العصابات الصهيونية عليها عام 1948م وطردت الفلسطينيين.
واتفق عدد من الباحثين، بمن فيهم اليهود أنفسهم، على أن أكثر من 80% من اليهود في هذا الوقت لا ينتمون إلى بني إسرائيل. ومن بين أصحاب هذا الرأي، الباحث اليهودي آرثر كوستلر، مؤلف كتاب القبيلة الثالثة، الذي قال إن اليهود في هذا الوقت لا ينتمون إلى بني إسرائيل ولا يحملون أي علاقة أو تاريخ بفلسطين. ويعتبر اليهود الحاليون من قبيلة الخزر، وهي إحدى القبائل التركية التترية، التي استوطنت شمال القوقاز في جنوب روسيا في القرن الثامن الميلادي. وعند سقوط المملكة، انتشر أفرادها في شرق أوروبا وروسيا، وهم الذين يعرفون بيهود الأشكناز. فإذا كان لديهم أي حق في العودة، يجب أن يعودوا إلى جنوب روسيا
رابعًا خلفيات القضية الفلسطينية:
حدث عدد من التغيرات المهمة في التاريخ الأوروبي الحديث ، وانعكست تلك الأحداث بدورها على اليهود ، وإنشاء المشروع الصهيوني ، فمع حركة الإصلاح الديني ، المعروفة بالحركة البروتستانتية ، والتي ركزت على الإيمان بالعهد القديم ، فنظرت لليهود وفقًا لرؤية توراتية بأنهم هم أهل فلسطين المشردين في الأرض، فآمن كثير من البروتستانت بنبوءة العهد الألفي السعيد ، وأن اليهود سيجمعون من جديد في أرض فلسطين ، استعدادًا لعودة المسيح ..!!
أتباع الكنائس يشكلون غالبية سكان بريطانيا وهولندا، والولايات المتحدة، ونصف سكان ألمانيا. وهكذا ظهرت الصهيونية غير اليهودية بدافع ديني، ومع التحولات السياسية في أوروبا في القرن التاسع عشر والثورة الفرنسية، بدأت الدول الأوروبية الحديثة في التشكل، وانتشرت الفكرة القومية، وبدأت المنظمات العلمانية الدولية في دعوة فصل الدين عن السياسة والحكم. وتسهلت هذه العملية على اليهود، حيث نجحوا في اختراق تلك المنظمات واكتسبوا نفوذا ماليا واقتصاديا واجتماعيا، وتم تهميش دور الكنيسة .
زادت مشاركة اليهود في الثورات اليسارية في روسيا، واندلعت العداوة بينهم بشكل كبير بعد اغتيال القيصر ألكسندر الثاني، وبدأت موجات الكراهية والعداء ضدهم، والتي سُمِّيت باللاسامية وأدت هذه الأحداث إلى تفاقم المشكلة اليهودية.
بدأ ملايين اليهود يطالبون بالهجرة إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وكان ذلك فرصة للحركة الصهيونية للتدخل لحل المشكلة اليهودية، بإنشاء كيان آمن لليهود في فلسطين، خاصة مع ضعف الدولة العثمانية، وسعى العالم الغربي لتقسيم أراضيها، وبرز المشروع الصهيوني العالمي .
ظهر فكر إنشاء كيان يمتد من شرق قناة السويس إلى غرب بلاد الشام، ليكون مثل جسم غريب في العالم الإسلامي، ويفصل الجناح الأفريقي عن الجناح الآسيوي، لأنه سيشغل العالم الإسلامي لفترة طويلة ويستنزف طاقته وجهوده.
التطور التاريخي لقضية فلسطين:
افتتحت بريطانيا سفارة في القدس في عام 1838 م، وفي أول رسالة لقنصل القدس طلبت توفير الحماية لليهود، حتى خلال الحرب العالمية الأولى في عام 1914 م. احتلت بريطانيا مصر وسيطرت على قبرص، وبدأت تنظر إلى فلسطين في سياق التنافس الاستعماري في المنطقة. لذا، كانت بريطانيا بحاجة إلى حماية مصالحها في قناة السويس، التي تعد الشريان الحيوي لمواصلاتها إلى مستعمراتها في الهند .
بدأت الهجرة اليهودية في عام 1278، واكتسبت طابعا تنظيميا في عام 1882 بسبب المشكلة اليهودية في روسيا. قامت الدولة العثمانية بوضع القدس تحت إدارة الباب العالي وفصلها عن سوريا في عام 1887. حدث نجاح نسبي في الهجرة ولم يتمكن سوى 55 ألف شخص من الذهاب إلى فلسطين، بينما ذهب الباقي إلى أمريكا وشرق أوروبا.
المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م:
قامت المنظمة الصهيونية العالمية ، يعقد المؤتمر الأول في بال في سويسرا عام 1897م ، وكان بزعامة ثيودور هرتزل ، كان هذا المؤتمر هو فاتحة العمل الصهيوني السياسي المنظم لتأسيس الدولة في فلسطين ، وحصل على وعد تحقيق المشروع الصهيوني من خلال الاتصالات الدبلوماسية ، ولكن السلطان عبد الحميد الثاني ، وقف سد منيع ضد تحقيق رغبات اليهود في إنشاء وطن قومي لهم ، فقام اليهود بالاشتراك في اسقاطه ، بعدما شاركوا في تكوين جمعية تركيا الفتاة ولجنة الإتحاد والترقي وقامت بعمل الانقلاب العسكري عليه ، والتنازل عن العرش.
القضية بعد الحرب العالمية الأولى:
كانت الحرب فرصة لعقد الاتفاقيات والمعاهدات، والاتصالات السرية لترتيبات ما بعد الحرب ، قامت بريطانيا بعمل اتفاق مع فرنسا ، لتحديد مستقبل بلاد الشام والعراق ، تم عقد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 م ، التى أعطت البريطانيين معظم العراق وشرق الأردن ومنطقة حيفا ، لفرنسا سوريا ولبنان ، ووضع فلسطين تحت إشراف دولي، وتم التفاوض مع المنظمة الصهيونية العالمية ، حول مستقبل فلسطين ، لحاجاتهم الماسة لنفوذ اليهود في أمريكا للمشاركة في الحرب وتكون حليفة لبريطانيا.
وكانت النتيجة وعد بلفور: وعد من قبل من لا يملك لصالح من لا يستحق
قام وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور عام 1917م، بإعطاء اليهود تعهد رسمي ، بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ، وكان من أغرب العهود التاريخية ، وكشف القيصر الروسي الاتفاقية ، بعد الثورة الروسية الشيوعية ، وفي عام 1922 م تم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب البريطاني وأصبح التزامًا رسميًا.
كان العرب يمثلون 92% من سكان فلسطين ، عند الاحتلال البريطاني ، فقامت بتعين اليهودي الصهيوني هربرت صمونيل كأول مندوب سام لها في فلسطين من أجل تنفيذ المشروع، وبدأ المشروع بالتطوير ، وبدأت هجرة اليهود تزيد لفلسطين ، كانت هناك صلاحيات بتضييق العيش على الفلسطينيين، ولكن اليهود مع كل ذلك لم يتمكنوا إلا من 6% فقط من الأرض لعام 1948م ، في تلك السنوات تم تأسيس الوكالة اليهودية عام 1929 م ، والجامعة العبرية بالقدس عام 1925م ، وبعد إعلان اليهود بإنشاء وطن قومي لهم ، قامت الجيوش العربية عام 1948م بالحرب على العصابات الصهيونية ، ولكن الأعداد كانت فائقة ثلاثة أضعاف الجيوش العربية ، وانتهت الحرب بالهزيمة.
تبعات حرب 1948م:
بعد الحرب استول اليهود على 77% من الأرض ، تم إنشاء حكومة عموم فلسطين في غزة برئاسة ، أحمد حلمي عبد الباقي ، وقامت الحكومات العربية باقراها ما عدا الأردن ، وتم إنشاء مجلس وطني فلسطيني في غزة عام 1101948 م ، برئاسة الحاج أمين ، وأعلن المؤتمر استقلال فلسطين.
ولكن الحرب مزقت النسيج الاجتماعي والاقتصادي للشعب الفلسطيني ، وتم تهجير وتشريد الفلسطينيين، وظل الإجرام اليهودي بشكل منظم ، حتى زاد عدد اللاجئين ، بدأ بعد ذلك العمل الوطني الفلسطيني ونشأة حركة فتح ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وبدأت الحروب غير المنظمة في فلسطين حتى العدوان الثلاثي عام 1956م ، لتدمير العمل الفدائي ، وبعد الفشل بدأت حرب حزيران يونيو عام 1967 م و دخل اليهود القدس واحتلوها.
ومنذ عام 1974م ، تم تدريجيا إعادة إحضار قضية فلسطين إلى طاولة الأمم المتحدة ، وفي عام 1975م صدر القرار رقم 3236 بعنوان حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ، وتوالت القرارات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين. بدأت إسرائيل في اتخاذ موقف عنصري وعدائي تجاه الشعب الفلسطيني في أعقاب بدء النضال الفلسطيني المسلح ، وبدأت حملة اغتيال قادة الفلسطينيين والشعراء والباحثين وأصحاب الفك.
الانتفاضة الفلسطينية:
بدأت شرارة الانتفاضة في يوم 9121987م ، إثر استشهاد أربعة عمال فلسطينيين، في حادث دهس ، فقررت الحركة الإسلامية ، المشاركة في الانتفاضة وتوجيهها، وبدأت الترتيبات لمظاهرات عارمة ، بعد صلاة الفجر في يوم 9 ، وتميزت الانتفاضة الأولى بالمواجهات الشعبية الواسعة والإضرابات والمظاهرات ، و تنامت العمليات المسلحة ضد الصهاينة ، وانتهت الانتفاضة الأولى بعد اتفاقية اوسلو 1993م، وتشكلت السلطة الفلسطينية عام 1994م.
في عام 2000، شهدت فلسطين اندلاع الانتفاضة الثانية في الأقصى، التي هزت أركان الاقتصاد الإسرائيلي وصدت العدوان الإسرائيلي على القطاع، وجعلت المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو المزيد من التطرف الديني واليميني مع ضعف وتفكك الاتجاهات اليسارية.