بحث عن الفتوى والاستفتاء
نحن جميعنا نسير في هذه الحياة وفقا لتلك الأحكام التي وردت في القرآن والسنة النبوية المشرفة، وهي التي يتم اتباعها في جميع جوانب الحياة.
الأحكام الشرعية
لا شك أن الرسالة الإسلامية كانت هي الرسالة الخاتمة التي نزلت من الله لجميع الناس، وقد حمل الرسول الإسلامي تلك الرسالة وبلغها بصورة واضحة، ونزل القرآن الكريم بمجموعة من النظم والتشريعات والأحكام التي شكلها سنة الرسول الكريم، وقد شكلت هذه الأحكام النظام المحكم الذي يتبعه المسلمون في جميع جوانب حياتهم. وعلى العلماء أن يحملوا أمانة الإرشاد والتبليغ بالعلم والنور والبصيرة، وكلما زاد عدد المسلمين وانحرف الزمن عن فترة النبوة والسلف الصالح، زادت حاجتنا للتوضيح والاستفسار حول الأحكام والشؤون الدينية.
بالإضافة إلى جميع الأحداث والقضايا الجديدة التي تحتاج إلى توضيح الموقف الشرعي منها، تأتي أهمية وخطورة الفتاوى إلى الواجهة. يقول الإمام النووي رحمه الله: (اعلم أن الإفتاء له خطورة كبيرة ومكانة عظيمة ويحمل الكثير من الفضل، فإن المفتي هو وريث الأنبياء ورسل الله صلواته وسلامه عليهم، وهو مكلف بواجب الكفاية ولكنه معرض للخطأ، ولذلك يقال إن المفتي يتحمل مسؤولية أمام الله تعالى).
مفهوم الفتوى لغةً واصطلاحاً
تعد كلمة فتوى في اللغة العربية من الأسماء، والجمع فتاوى وفتاو وفتاوى، ومن الممكن أن يقال: أفتى يفتي، وأفت، وإفتاء، فهو مفت، والمفعول منه مفتى، ويقال: أفتى في المسألة، أي: وضحها وأرشد السائل بحكمها الصحيح، وأفتى في المنام، أي: فسر الرؤيا وعبرها، والمقصود منها الجواب عن ما هو مشكل من المسائل في علوم القانون والشرع، ويطلق على مكان المفتي دار الفتوى، حيث أنها مكان عمله والمقر الخاص به.
المفهوم الاصطلاحي للفتوى من أهل العلم هو الكشف عن الأحكام الشرعية للسائلين عنها، وهم المستفتين، ويطلق على ذلك الأمر الاستفتاء. ومن الممكن أن تصدر الفتوى بدون سؤال لتوضيح حكم أحد النوازل أو أحد الحوادث التي استجدت، والهدف منها تصحيح أفعال الناس وأقوالهم وكافة أحوالهم. ويطلق على الشخص الذي يقوم بهذه المهمة المفتي، لأنه عالم بكافة الأحكام والمستجدات الشرعية، وقد أعطاه الله من العلم ما يجعله يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وإسقاطها على الحالة المستفتى فيها. لذلك، تعتبر الفتوى من أعظم الأمور ذات الشأن الكبير، فهي توقيع عن المولى عز وجل وبيان لإرادته من الأحكام التشريعية.
شروط المفتي
تعد مسألة الفتوى مهمة للغاية، ولهذا يتطلب من يقدمها الامتثال لعدد من الشروط، ووفقًا لمسألة الشروط التي ذكرها الإمام النووي: `شرط المفتي أن يكون مكلفًا، مسلمًا،ثقةً، مأمونًا، ومتنزهًا عن أسباب الفسق والخوارم والمروءة`. وبقية الشروط هي كالتالي:
– أن يكون المفتي لى دراية تامة بالأحكام لشرعية التي يفتي بها، وأن يستنبط فتواه من خلال عدد من الأدوت التي قام بتدوينها علماء الأصول ومنها علم الناسخ والمنسوخ، والعلم بكتاب الله وسنة رسوله، حتى يصبح قادرا على أن يستنبط الحكم الشرعي من مصادره، بشرط التحري عن الأدلة القوية.
يتطلب حكم المفتي على سؤال ما، أن يكون لديه تصورًا وافيًا وكاملًا عن الموضوع في عقله، حيث يعتمد الحكم في الأمور على تصورها وتفاصيلها. لذلك، في حالة السؤال عن الأكل بعد فجر شهر رمضان، يجب على المفتي التحقق من الفجر الذي يقصده المستفتي، هل هو الفجر الأول أم الثاني، ليتمكن من الحكم على السؤال.
يجب على المفتي أن يكون دقيقًا في استنباط الفتوى وفي صياغتها، وإلا لن تكون الفتوى صحيحة، وعليه أن يكون حذرًا ومنتبهًا لكي لا يقع في فخ الخداع والمكر من بعض الأفراد.
– على المفتي أن يتسم بهدوء البال واستقرار النفس من كافة الأوجه، فذلك يساعده على تصور المسألة واستنباط الحكم فيها بصورة صحيحة، لذلك يوصي العلماء بعدم إصدار الفتاوى في حالة انشغال الذهن وشروده والغضب وتشتت التفكير استنادا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقضي القاضي بيْنَ اثنَيْنِ وهو غضبانُ).
ويقال إنه يجب توافر خمسة صفات في المفتي، وهي أن يكون نية المفتي خالصة لله للاسترشاد بفتوى الله ونوره، ويجب أن يكون حلما ويتسم بالوقار والصبر، ويجب عليه أن يكون قويا في التعرف على الحق والفتوى به، وأن يكون من أهل الكفاية ولا يحتاج إلى مصالح الناس، وأن يكون قادرا على فهم الناس وبيئاتهم وظروفهم بشكل كامل.
معروف لدى العلماء وأهل العلم أن من يفتي بدون علم فقد ارتكب خطيئة كبيرة، لأن الإفتاء بدون علم يعني التحدث عن الله بدون علم وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعتبر من الخطايا الكبرى المذمومة، وعلى الرغم من الحاجة إلى التحلي بالتورع والحذر في الإفتاء، فإن المستفتي مسؤول أيضا عن اختيار الشخص الذي يطلب منه الإفتاء إذا لم يكن واحدا من أهل التقوى والعلم.