الصحابي عبدالله بن حذافة السهمي
عبدالله بن حذافة السهمي، المعروف بأبي حذافة، كان سفيرا للرسول إلى الملوك. شهد جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك غزوة أحد، وتعرض لمحنة شديدة عندما أسر من قبل الروم، ولكن ثبات إيمانه وقوة عزيمته جعلته يتخطى هذه التجربة بشجاعة وصبر. وقال فيه عمر بن الخطاب: “حق على كل مسلم أن يقبل رأس أبي حذافة، وأنا أبدأ”. توفي في عهد خليفة المسلمين، عثمان بن عفان، في مصر عام 33 هـ.
أبو حذافة سفير الإسلام:
وقع الاختيار على أبو حذافة عندما أراد رسول الله صل الله عليه وسلم أن يبعث بسفير له إلى بلاد فارس وذلك لمقابلة ملكهم كسرى وتوصيله كتاب رسول الله، وذلك لما يتمتع به أبو حذافة من دراية بلغتهم وعاداتهم كما يتمتع بالفصاحة والعلم والشجاعة وحسن التصرف، وكان ذلك في العام السادس من الهجرة، وبالفعل حمل عبدالله الرسالة واتجه بها إلى قصر كسرى، وعندما علم كسرى بقدوم الرسول جهز إيوانه ودعا بعظماء الفرس ليحضروا هذه المقابلة، وما أن دخل أبو حذافة الذي كان يتمتع بالملابس البسيطة أمر الملك أن يحملوا منه الرسالة ولكن أبو حذافة رفض وأصر أن يسلمها بيده فسمحوا له، وأخذها أحد الكتبة وقرأها على كسرى وما أن بدأ الكاتب بالقراءة ووجد كسرى أن محمد بدأ باسمه قبل اسم كسرى حتى قام بتمزيق الرسالة قبل أن يقرأها، فقام عبد الله بالانصراف ، وعندما عاد وأخبر رسول الله بما حدث، قال رسول الله: «مزق الله ملكه»، ولكن كسرى بعث إلى عامله باليمن “بازان” بأن يبعث رجلين ليحضروا محمد له، وهو ما فعل بازان وعند وصولهم للنبي قال لهما: «ارجعا إلى حالكما اليوم وأتياني في الغد» وفي اليوم التالي عاد الرجلان إلى رسول الله الذي أخرهم بأن كسرى قد مات على يد ابنه، وعندما عادا إلى بازان وأخبروه ما كان من أمر محمد، ارسل في الاستفسار عن الأمر وجاءته الأخبار مؤكدة موت كسرى على يد ابنه وأن ابنه اعتلى العرش في روما، فأعلن بازان إسلامه.
محنة أبو حذافة أسير الروم:
في العام التاسع عشر من الهجرة وفي خلافة عمر بن الخطاب قرر فتح بلاد الشام فأرسل بالجيش لمحاربة الروم، وفي أثناء الحرب تم أسر مجموعة من الجنود المسلمين وكان عبدالله بن حذافة أحد الأسرى الذي قدر الله له أن يتعرض لمحنة شديدة يخرج منها بثبات إيمانه وقوة عزيمته، حيث يروى أنه بعدما وقع في الأسر في يد الروم، أُتي به هو وجميع الأسرى إلى القيصر الذي كان يعلم بقوة المسلمين وبذلهم أرواحهم في سبيل دينهم، فأحضر القيصر أحدهم وكان هو بطلنا عبدالله بن حذافة وقال له إذا أردت أن أخلي عن سبيلك تتنصر وتكفر عن دينك، فرفض أبو حذافة وأصر على إسلامه فغضب القيصر وأمر جنوده بصلبه ورميه بالسهام حتى يلقوا الرعب في قلبه، وفعلوا لكن أبو حذافة ظل ثابتًا قويًا غير مبالي وقع السهام، فازداد القيصر غضبًا وأمر بإحضار قدر الزيت وتشعل النيران حتى يغلي، ثم أمر بإلقاء أحد الأسرى فيه أمام أبو حذافة ففعلوا وبمجرد ما رمي الأسير تفتت لحمه عن عظمه وداب في الزيت، ثم أمر جنوده بأن يلقوا أبو حذافة فرقت عينيه ودمعت، فتهللت أسارير القيصر عله ندم وعاد فأمر جنوده بأن يحضروه، وقال له هل تعود عن دينك، فرد أبو حذافة «واللهِ ما أبكاني إلا أني كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفُسٌ فتُلقى كلُّها في هذه القدر في سبيل الله » فأعجب القيصر بشجاعته الشديدة وتمسكه بدينه فقال له: قبل رأسي وأخلي سبيلك، فقال عبدالله: أنا وجميع المسلمين، قال القيصر: نعم، فدنا أبو حذافة وقبل رأس القيصر الذي وفى بوعده وأفرج عنهم في الحال، وعندما عاد الأسرى إلى المدينة استقبلهم الخليفة عمر بن الخطاب الذي ما أن علم بالقصة حتى قال فيهم: «حق على كل مسلم أن يقبل رأس أبو حذافة، وأنا أبدأ».