اثار الاستعمار
عندما يجتمع الاضطهاد والظلم والاستبداد مع سفك الدماء في الاستعمار، نجد أنفسنا نعيش حياة غريبة يسودها الخراب والدمار، وعندما تجتمع المطامع السياسية والاقتصادية تجاه الدول الفقيرة الغنية بالثروات، من دول تمتلك الجيوش ولكنها فقيرة لتلك الثروات، وعندما يجتمع نهب الثروات والقضاء على الثقافات من دولة دخيلة بغرض السيطرة وزرع الفكر الآخر، فإننا أمام سياسة مدروسة للمستعمر يشبه الوحش.
متى بدأ الفكر الاستعماري
منذ بداية القرن السادس عشر ظهر الفكر الاستعماري، وبالأحرى عندما تطمعت الدول الأوروبية في السيطرة على دول القارة الأفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية وأستراليا، وهو فكر حديث نشأ بفعل الانفتاح الأوروبي على الدول في العالم الخارجي وكان الهدف منه هو الاستيطان، ومع بداية الثورة الصناعية في أوروبا ظهر نوع آخر من الاستعمار والهدف منه هو تصريف المنتجات في الأسواق الخارجية والبحث عن الموارد المتعددة لتنمية الصناعات.
أهداف الاستعمار
كل الدول التي فكرت في الاستيلاء على دول أخرى كانت تهدف إلى بعض الأشياء التي لا يختلف فيها عن فكر أي مستعمر، وهي تسعى لتحقيق المكاسب السياسية لتعزيز مركز الدولة المحتلة وتوسيع النفوذ على المجتمع المحلي والدولي، مما يجعلها أكثر قوة وقدرة على السيطرة على القارات العالمية والنفوذ الثقافي والاقتصادي وربما الطائفي في بعض الأحيان، والهدف هو كسب القوة وفرض النفوذ والتأثير على الدول الفقيرة من خلال السيطرة عليها.
الحصول على الثروات والخيرات وكل الموارد البشرية والاقتصادية (الثروة الحيوانية والمائية والبترول)، والعديد من المطامع التي تتفاوت من دولة إلى أخرى، كلها من أهداف المستعمر الغاشم.
يهدف العمل على طمس الثقافات والتقاليد والعادات وحتى اللغة، وجلب الثقافات والعادات الأخرى التي لا تتناسب مع الدول الضعيفة، إلى إدخال الأفكار الجديدة التي تتناسب مع مصلحة المستعمر وخدمته، وذلك لتحقيق السيطرة الكلية وتبعية الضعيفة للقوية.
يقول العالم الأمريكي هانز مورغنثاو معرفاً الغرض من الاستعمار (سياسة تستهدف قلب الوضع القائم والقيام بمراجعة علاقات القوى بين دولتين أو أكثر من أجل تحقيق تفوق محلي أو إقامة إمبراطورية قارية أو تحقيق هيمنة عالمية، ويرى أو الدول كالأفراد لديها شهوة القوى أي الرغبة في تحسين وضعها من غير الاقتناع بالوضع القائم).
دخول الاستعمار القارة الأفريقية
في عام 1798 م ، بدأ الاستعمار الأوروبي بغزو القارة الأفريقية من خلال الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت. سار نابليون مع جنوده نحو الدولة المصرية ، حاملا رمز التنوير والتثقيف. قام بتجهيز حملته بطريقة علمية وثقافية وأسس مجلس الشورى وأصدر صحفا مثل بريد مصر والستار المصري وجلب معه آلة طباعة. ومع ذلك ، كان الشعب المصري يدرك الهدف الخفي للاستعمار ، وهو ما دفعهم للوقوف في وجه الحملة بقيادة الزعيم عمر مكرم وعدد من رجال الأزهر الشريف. وبالفعل ، اضطر نابليون للعودة إلى فرنسا.
جاء تقسيم بلاد القارة الأفريقية في فترة الاستعمار، وجعلوا المغرب (مراكش) من نصيب فرنسا بدءا من عام 1912م، وجعلوا تونس من نصيب فرنسا في عام 1881م، كما جعلوا الجزائر من نصيب فرنسا منذ عام 1830م واحتلوها لمدة تقريبا 120 عاما، حيث نهبوا ثرواتها وقتلوا شعبها، وعرفت الجزائر باسم بلد المليون شهيد.
منذ عام 1882م، احتلت بريطانيا مصر بحجة حمايتها ورعايتها، وغزت العراق عام 1914م، وفلسطين عام 1918م، وقسم المستعمرون دول أفريقيا كأنها حلوى أعطوها لأنفسهم.
أثار الاستعمار
الأثر الاقتصادي
يرغب المستعمر في تطوير الاقتصاد القوي من خلال الصناعات الحديثة والمتقدمة. لذا، يحتاج إلى المواد الخام لتزويد المصانع وكذلك السوق لبيع المنتجات. يشمل ذلك الصناعات الخفيفة والثقيلة التي يتم تصديرها إلى العالم. ولتحقيق الربح الاقتصادي، يعتمد المستعمر على قوة الجيش لفرض سيطرته على البلدان الضعيفة.
بدأت الدول المستعمرة في فرض الضرائب والجمارك على طرق التجارة الخاصة بالدول التي احتلوها، مما سهل الفكر التجاري والتسويقي وزاد من الموارد المالية للمستعمر.
الأثر الاجتماعي
ليس للمستعمر القوي سوى السيطرة على الدول الضعيفة، ويستخدم الجيش القوي لتحقيق ذلك، وهذا يؤدي إلى معارك غير متكافئة، مما ينتج عنه عدد كبير من القتلى والجرحى والمصابين بأمراض جسدية ونفسية. مثال على ذلك هو الوضع في الجزائر، حيث يقول المستعمرون الفرنسيون إن عدد القتلى بلغ حوالي 300 ألف قتيل، بينما يزعم الجزائريون أن العدد تجاوز المليون ونصف. هذه حالة تعتبر كارثة إنسانية.
– لا يقتصر القتل على المعارك فحسب، بل يشمل أيضًا الاغتيال السياسي لأي فكر يريد الانفصال عن هذا الاستعمار، بالإضافة إلى الموت بسبب الفقر والتعرض للمجاعات والأمراض، ويعود هذا الأمر إلى الطمع في الموارد الطبيعية بحيث أصبحت البلاد خالية من الخيرات.
الأثر السياسي
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الدول الأوروبية في سحب قواتها من بعض المستعمرات نتيجة الخسائر الجسيمة التي تكبدوها خلال الحرب. وجاء هذا الانسحاب السريع برسم حدود غير مبررة وغير منطقية بين البلدان، مما أدى إلى العديد من النزاعات التي لا تزال قائمة حتى اليوم. على سبيل المثال، هناك خلاف بين الهند وباكستان بشأن إقليم كشمير، والأمر يزداد خطورة بسبب امتلاك الدولتين للأسلحة النووية.
تسبب التقسيم مشكلة كبرى للأكراد، حيث تم توزيعهم على أربع دول مختلفة، وتم تقسيم لبنان وسوريا بشكل خاص بعد تدخل سوريا في الحرب الأهلية اللبنانية.