تم إطلاق تسمية حرب القرم – أو كما أطلقت عليها روسيا: الحرب الشرقية – على الحرب التي اندلعت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في عام 1853م. بدأت الحرب بعد أن هاجمت الإمبراطورية الروسية الدولة العثمانية، واستمرت لمدة 3 سنوات، وشاركت فيها كل من مصر وتونس والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا. وقعت الحرب في شبه جزيرة القرم في شمال البحر الأسود، وانتهت بانتصار الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، وتم توقيع معاهدة باريس لإنهاء الحرب. ولم تتمكن الإمبراطورية الروسية من تحقيق أهدافها وطموحاتها المتعددة في زيادة نفوذها الاقتصادي والجغرافي والديني .
بداية اندلاع حرب القرم :السبب الرئيسي وراء اندلاع الحرب كان محاولة روسيا فرض سيطرتها على مجموعة من الأقاليم التي تقع ضمن أملاك الدولة العثمانية في منطقة البلقان. وقد حاولت روسيا الاستفادة من الضعف الذي كانت تعاني منه الدولة العثمانية لصالحها، وفي ذلك الوقت وصفت الدولة العثمانية بأنها “رجل أوروبا المريض”. عرضت روسيا مشروعًا خاصًا للتقسيم على مجموعة من الدول الأوروبية الكبرى، وذلك تحت غطاء ديني، وتم اتخاذ ذلك كذريعة لشن الحرب على العثمانيين. وكان من المعروف أن دين الإمبراطورية الروسية هو المسيحي الأرثوذكسي، وهذا جعلها تروي نفسها أنها وريثة الدولة البيزنطية الشرعية التي دمرتها الدولة العثمانية بغزوها للقسطنطينية وفتحها في عام 1453. وكانت هناك أطماع اقتصادية لدى روسيا، وقضت بضرورة تحديد وتأمين السيطرة على المناطق الاستراتيجية، مثل المضائق البحرية، والتجارة الروسية، مثل البوسفور والدردنيل، عن طريق احتلالها عسكريًا أو فرض النفوذ الروسي السياسي عليها، لضمان التجارة الروسية ومرور السفن من خلالها دون أي عوائق. وإذا لزم الأمر، فإنه يمكن إغلاقها أمام أي محاولات عدائية ضد الإمبراطورية الروسية. واستخدمت روسيا الدين كذريعة لشن الحرب، وذلك باستفزازها للأماكن المقدسة في منطقة فلسطين. وكانت الأحلام تراود الإمبراطورية الروسية باستعادة مجد الدولة البيزنطية القديمة، وعلو شأن المذهب الأرثوذكسي من جديد، مما سيؤدي إلى زيادة نفوذ وسيطرة الإمبراطورية الروسية. ونتيجة الضعف الذي تعاني منه الدولة العثمانية، فقد تم بضغوط من الدول الأوروبية الكبرى على الدولة العثمانية أن وافقت على منح امتيازات خاصة للمسيحيين الكاثوليك بتلك المناطق المقدسة، مما أثار غضب روسيا والتي ترى نفسها هي الأحق بذلك بناءً على المذهب الديني والتاريخي. وبالتالي، شنت روسيا حملة عسكرية ضد الدولة العثمانية في عام 1877، والتي أدت إلى اندلاع الحرب الروسية العثمانية في ذلك العام. وشاركت في الحرب العديد من الدول الأوروبية الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا والدنمارك والسويد وهولندا. وانتهت الحرب باتفاق بين الدولتين في عام 1878، والذي أدى إلى تقسيم الدولة العثمانية وفرض السيطرة الروسية على بعض المناطق في البلقان، ويمكن القول إن السبب الرئيسي وراء اندلاع الحرب الروسية العثمانية كانت الأطماع الإمبراطورية لروسيا في السيطرة على مناطق استراتيجية وتأمين التجارة الروسية، واستخدام الدين كذريعة لتحقيق هذه الأهداف. وكانت هذه الحرب جزءًا من الصراع الإقليمي والعالمي الذي كان يشهده العالم في ذلك الوقت، حيث كانت الدول الأوروبية تتنافس فيما بينها على السيطرة على الموارد والمناطق الاستراتيجية في العالم.
نهاية حرب القرم :- وبناء على ذلك، قررت الدول الأوروبية فرنسا وإنجلترا تشكيل تحالف عسكري مع الدولة العثمانية خوفا من الطموحات الروسية، حتى تمكنوا بالفعل من هزيمة جيوش الإمبراطورية الروسية وتدمير أسطولهم البحري. وهذا أجبر الروس على اللجوء إلى الحل السلمي والمفاوضات، نظرا لعدم قدرة الجيوش الروسية على هزيمة جيوش الدول الثلاثة. ففي ذلك الوقت، كان جيشا بريطانيا وفرنسا من أقوى وأحدث الجيوش عالميا. وبالفعل، انتهت الحرب بتوقيع معاهدة باريس، وكان من بنودها الأهم عدم توقيع أي اتفاق بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية بشكل منفرد، إلا بمشاركة كل من بريطانيا وفرنسا كشريكين مباشرين وأساسيين في أي اتفاقات، حفاظا على مصالحهما الحيوية وقلقا من تنامي النفوذ والقوة العسكرية الروسية مجددا، والتي تشكل تهديدا على مصالحهما ونفوذهما القوي. وقد وافق الجانب الروسي على تلك الشروط وتم توقيع الاتفاقية، وانتهت حرب القرم بالهزيمة الروسية أمام الجيش العثماني وحلفائه بريطانيا وفرنسا .
تعرف على :