لوحات بيكاسو التكعيبية

من عام 1907 إلى 1917م، كان بابلو بيكاسو الرائد في حركة التكعيبية، وهي أسلوب فني ثوري حديث يشكل استجابة بيكاسو للعالم الحديث الذي يتغير بسرعة، وذلك بالتعاون مع صديقه وزميله الفنان جورج براك .

قام بيكاسو بتحدي أشكال الفن التقليدية الواقعية من خلال إنشاء تقنية الفن التكعيبي، حيث أراد تطوير طريقة جديدة لرؤية الفن تعكس العصر الحديث، واختار التقنية التكعيبية لتحقيق هذا الهدف، ولم ير بيكاسو أن الفن يجب أن ينسخ الحياة الطبيعية بالضبط، كما لم يشعر بالالتزام بالتقنيات الفنية التقليدية المرتبطة بالمنظور والأبعاد والألوان .

اللوحات التكعيبية لا تعكس الواقع

كان الدافع وراء تطوير لغة فنية جديدة هو السؤال التالي : في بداية القرن العشرين، كان يمكن لأي شخص تعلم أساسيات الرسم الصحيح، وكان فن التصوير يتطور بشكل كبير، وأصبح واضحًا أن مجاله سيكون في تجسيد الواقع، ولذلك كانت اللوحات مصنوعة .

ولكن طرح السؤال التالي أمام الفنانين : كيف يمكن للفن البقاء حيا وملائما في عالم يشهد سهولة وتكرارية الصور المرئية؟ إجابة بيكاسو كانت بسيطة جدا: تتألف اللوحة من وسائلها الخاصة مثل الشعور والخط واللون والضوء، ولا يلزم أن تخضع هذه الوسائل لخدمة الطبيعة فقط. يعبر العالم الخارجي فقط عن هوية الفنان، وقد أتاح رفض تقليد العالم الحقيقي فرصا مذهلة للفنانين، وقد حدث ذلك بعدة طرق سنشير إليها في الأسطر التالية .

أراد بيكاسو التأكيد على الاختلاف بين الواقع واللوحة، وقد استخدم الفن التكعيبي لإبراز طرق مختلفة لإدراك العالم من حولنا. واعتمد بيكاسو على مفهوم النسبية، حيث أخذ في الاعتبار ملاحظاته وذكرياته عند إنشاء لوحاته التكعيبية. فأصبح بإمكاننا في لوحاته أن نشعر وكأننا لا نرى الأشياء من زاوية واحدة فقط، وإنما من زوايا متعددة تم تحديدها باتجاه البصر والحركة. ونتيجة لهذه الرؤية، يمكننا أن نشاهد في لوحات التكعيبية أشخاصا أو أشياء تختلف عن ما قصد بها الفنان .

كيف اتجه بيكاسو إلى الفن التكعيبي ؟

أثر الفن الأفريقي والحياة الحضرية العصرية في باريس بشكل كبير على مفهوم بيكاسو للتكعيبية . بالإضافة إلى ذلك ، أصبح بيكاسو مفتونًا بعملية البناء والتفكيك ، وهو سحر واضح في أعماله التكعيبية . فعند إنشاء هذه القطع التكعيبية ، يقوم بيكاسو بتبسيط الكائنات إلى مكونات وأشكال هندسية يرسم بها الكائنات والأشكال لتحاكي الموجود منها في العالم الطبيعي . وقال عن نفسه إنه يشوه هذه الأشكال والكائنات ، لكنه يقصد في لوحاته أن يراها الناس من جميع الزوايا بأشكال مفهومة .

وقد كان بيكاسو مهووسا جدا بهذا التوجه، حتى إنه ابتكر العديد من الأعمال الفنية التكعيبية لمدة تقارب عشر سنوات. وخلال هذه الفترة، تطور أسلوبه التكعيبي ببراعة من التكعيب التحليلي بين عامي 1907 و 1912 إلى التكعيب الاصطناعي بين عامي 1913 و 1917. وباستخدام التكعيب التحليلي، استخدم بيكاسو لوحة ألوان صامتة مكونة من اللون البني والأحمر والأسود، واختار نقل موضوعات غير عاطفية نسبيا مثل الحياة اليومية والمناظر الطبيعية. وركز على الأشكال التجريدية، لكنه لم يدمج فيها عناصر الملمس وفن التصوير .

أما باستخدام التكعيبية الاصطناعية ، قام بيكاسو بدمج الشعور مع الألوان والإيماءات ، ما أحدث طفرة في أعماله التكعيبية . وبينما كان لا يزال يصور مواضيع محايدة نسبيًا مثل الآلات الموسيقية والزجاجات والنظارات والأباريق والصحف وأوراق اللعب والوجوه والأشكال البشرية ، فإن أسلوبه قد تقدم إلى درجة أنه كان يشتمل باستمرار على عناصر من الكولاج ، وهي تقنية الدمج بين أكثر من عنصر سويًا ، وكان يستخدمها غالبًا في أعماله ، ويرجع إليه الفضل في اختراعها .

وبواسطة “التكعيبية الاصطناعية” ، أعاد بيكاسو تعريف التأثير البصري لتقنياته التكعيبية الأصلية ، ودمج مواد جديدة ، مما مهد الطريق لحركة الطليعة الفنية للاشتعال في جميع أنحاء أوروبا . حيث تشتهر التكعيبية كحركة فنية رائدة في حد ذاتها ، لكنها أثرت أيضًا على أجيال من الفنانين الذين كانوا شغوفين بمتابعتها ، لتشكيل تاريخ الفن ذاته ، من بعد بيكاسو .

أعمال تكعيبية أخرى لبيكاسو

في حين أن معظم الأعمال التكعيبية الخاصة ببيكاسو عبارة عن لوحات ، إلا أنه قام أيضًا بإنشاء مطبوعات مذهلة على نفس النمط ؛ بما في ذلك النقش ، والطباعة الحجرية ، والرسم على الزجاج ، بنفس الأسلوب التكعيبي الخاص به . وتعد هذه المطبوعات التكعيبية نادرة للغاية وتقدر بأسعار ثمينة جدًا . ونظرًا لقيام بيكاسو بإنشاء حركة التكعيبية وقيادتها ، فإن جميع المطبوعات التكعيبية هذه تعد أيقونية بالنسبة له ، فهي لا تزال من بين أعماله الفنية الأكثر إقبالًا وشراءً حتى الآن .

بعض أعمال بيكاسو التكعيبية