لماذا المحيطات مالحة
لا يأتي تسمية الكوكب الأزرق عبثا، فالمياه التي تغطي سطح الأرض هي الغالبة بشكل كبير، حيث تمثل المحيطات وحدها 70% من مساحة الأرض، وعلى الرغم من أهمية المياه العظيمة للبشر وللحياة بشكل عام، والتي تجعل الأرض صالحة للعيش، إلا أن مياه المحيطات تمثل الجزء الأكبر من تلك المياه وهي مالحة وغير صالحة للشرب، فما هو سبب هذا التملح؟
مياه المحيطات المالحة
تغطي المحيطات 70% من سطح الأرض، وتشكل المياه المالحة 97% من كمية المياه في العالم، وعلى الرغم من أن هذه المياه غير صالحة للشرب أو الحياة، إلا أنها تمثل النسبة الأكبر من المياه في العالم. وإذا تم استخراج الملح من هذه المياه وتوزيعها بشكل متساو على سطح الأرض، فسيصل ارتفاع الطبقة المكونة من هذا الملح إلى 166 متر، أي ما يعادل ارتفاع مبنى مكون من أربعين طاب.
يمكن لهذا أن يعطي فكرة عن حجم الأملاح في المياه، ولكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: من أين جاءت هذه الكمية الكبيرة من الملح؟ لم يكن السؤال المحير هذا أمرا جديدا، فهناك العديد من الأساطير والقصص الشعبية التي تتحدث عن ملوحة المحيطات والبحار، ولا يزال هذا السؤال مصدر حيرة للعديد من الشعوب والحضارات لعدة سنين.
على الرغم من بساطة السؤال، إلا أن الجواب يتعلق بأن الملح الذي يغطي سطح الأرض يأتي بشكل طبيعي من الصخور الموجودة على الأرض، وعلى الرغم من ذلك، كان هذا الجواب غير كافٍ لتفسير الحيرة التي شعر بها أجدادنا البشر.
دورة المياه
في الحقيقة أن مياه الأمطار هذه التي تعد مصدر من مصادر الغوث والحياة لكثير من البشر في وجه الأرض، هي السبب في تمليح مياه المحيطات، فالأمطار تحتوي على بعض من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء المذاب في مياه الأمطار، وهو الذي يتسبب في تكوين مياه الأمطار التي تكون حمضية قليلاً بسبب الكربونيك،
كما أن المطار يعمل على تأكل الصخور وتكسير الأحماض الكيميائية الموجودة في الصخور، ويقوم بحمل المعادن والأملاح في حالتها الذائبة في صورة أيونات، ويتم نقل كل هذه المكونات مع مياه المطر التي تنزل في الجريان السطحي ثم إلي الجداول ومنها إلي الأنهار التي تتكون بالفعل من الأمطار.
كما يعلم الجميع، فإن الأنهار تصب في البحار والمحيطات، ويتم ترسيب الأيونات والأملاح المذابة في الماء في المحيطات، وتستهلكها بعض الكائنات الحية في الماء، في حين يؤدي الباقي إلى زيادة نسبة الملوحة في المحيطات مع مرور الوقت.
الأيونات الشائعة في مياه البحر هي الكلوريد والصوديوم، حيث يشكلان أكثر من 90 في المائة من جميع الأيونات المذابة في مياه المحيطات. ويبلغ تركيز الملح في مياه المحيطات والبحار حوالي 35 جزءا من ألف، أي حوالي 3.5٪ من وزن المياه، ويبلغ وزن الملح في كل متر مكعب من المياه المالحة في المحيطات حوالي 120 مليون طن.
والأمر لا يتوقف عند ذلك، فالميل المكعب من الماء قد يحتوي على ما يقرب من 25 رطلاً من الذهب، أي ما يعادل تركيزًا يبلغ 0.000005 جزء في المليون، ولكن يصعب تصور حجم هذا الميل المكعب من الماء، إذ يقارب حجمه 1.101117147 تريليون جالون من الماء.
أسباب أخرى لملوحة المحيطات
لكي لا نظلم الأمطار، يجب علينا أن نعلم أنها ليست المصدر الوحيد لملوحة المحيطات، بل تسهم الفتحات المائية الموجودة على التلال المحيطة والجريان السطحي والأنهار في إضافة المزيد من المعادن المذابة إلى المحيطات.
تعتبر هذه المخارج نقطة خروج المياه من قاع المحيط، حيث تتسرب مياه البحر إلى قشور السطح المحيطي، مما يؤدي إلى إذابة بعض المعادن من القشرة تحت سطح الأرض تحت مياه المحيطات، وترجع التقديرات إلى أن كمية السوائل الحرارية التي تتدفق من وإلى الفتحات الموجودة في قشرة قاع المحيط، كانت تحدث منذ حوالي عشرة ملايين سنة، ولذلك فإن هذه العملية لها أهمية كبيرة في تحديد ملوحة المحيطات. وبالتالي، يمكن أن تكون المحيطات في بعض الأحيان غير مالحة أو أن محتواها من الملح قليل، ولكن هذا يزداد مع الوقت والتأثيرات المختلفة التي تؤدي إلى ذلك.
البراكين المغمورة
تعتبر البراكين هي العملية الأخيرة التي تساهم في تشكيل ملوحة المحيطات، فعندما تكون البراكين تحت الماء، تذوب المعادن في الصخور بفعل الحمم البركانية، وتتسرب المياه الباردة إلى داخل هذه البراكين وتخرج ساخنة وتحمل معها المعادن المنصهرة، وهكذا.
في عام 2004، أعلن بعض العلماء الذين اكتشفوا وجود بركان في شمال غرب إيفوك وبالقرب من جزر ماريانا، أنهم رصدوا مداخن بيضاء صغيرة، ينبع منها سائل أبيض من قمم البراكين تحت الماء، بالإضافة إلى فقاقيع تتصاعد من الرواسب المحيطة بهذه المداخن، وأفادوا أن هذه المداخن تنبع منها كتل من المعادن وثاني أكسيد الكربون المنبعث من القشرة الأرضية الساخنة إلى المحيط، وهذه المعادن المذابة بالطبع هي أحد الأسباب المساهمة في ملوحة المحيط.
الملوحة في الأنهار والمحيطات
تحتوي الأنهار أيضا على أملاح؛ فالأملاح جزء أساسي من مكونات المياه، ولا توجد مياه نقية بنسبة 100٪. وجسم الإنسان بحاجة إلى الأملاح، ولكن الأنهار والمسطحات المائية العذبة يحتوي على كمية محدودة من الملح التي تجعلها صالحة للشرب. في العادة، الأنهار هي التي تغذي المحيطات بالمياه، ومياه المحيطات لا تخرج منها الملح عندما يلقي النهر مياهه في المحيط. بدلا من ذلك، يتم استعادة هذه المياه مرة أخرى عن طريق الأمطار، وهذا يجعل مياه النهر مناسبة من حيث الملوحة.
في المحيطات، لا يتخلص المحيط من الملح عن طريق التبخر، ولكن يقوم الكائنات الحية البحرية بالتغذية عليه واستخدام النسبة المناسبة من الأملاح لجسمها، وبعد موتها وتحللها، تترك نسبة أخري من الأملاح في المحيط.
عندما كان كوكبنا حديث النشأة، قد تكون المحيطات غير ممالحة للغاية، ولكن بسبب العوامل المختلفة التي ذكرناها سابقًا، وبسبب عدم قدرة المحيطات على التخلص من الأملاح بشكل كافٍ، أصبحت المحيطات بهذه الدرجة العالية من الملوحة التي نعرفها الآن.
وعلى الرغم من هذا فإن المحيطات ليست المكان الوحيد الذي يحتوي على مياه مالحة، فهناك بالطبع العديد من البحيرات المالحة والآبار أو المياه الجوفية المالحة أيضاً، بالإضافة إلي البحار بالطبع، فيوجد البحر الميت الذي يعد أكثر المسطحات المائية من حيث الملوحة في العالم، وهو موجود في الأراضي الأردنية والفلسطينية.
يعتبر البحر الميت واحدا من أجمل المسطحات المائية على كوكب الأرض، وعلى الرغم من أن نهر الأردن يمده بالمياه العذبة، إلا أنه لا يوجد مكان آخر لتصريف المياه المالحة، كما تتبخر المياه منه بسرعة مما يزيد من تركيز الملوحة في البحر الميت، وتتشكل بقاع البحر بلورات الملح الكبيرة.