كابل التلغراف عبر الأطلسي
في يوم 16 أغسطس 1858، تم تبادل التلغراف بين الملكة فيكتوريا ورئيس الولايات المتحدة جيمس بوكانان، لافتتاح أول كابل يربط بين المستعمرة البريطانية في أمريكا الشمالية وأيرلندا البريطانية عبر الأطلسي. وكانت تحية النوايا الحسنة للمملكة، التي كانت تتكون من 98 كلمة، تستغرق حوالي 16 ساعة للوصول عبر الكابل الذي يمتد لمسافة 3200 كيلومتر. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكابل كان تحسينا هائلا في سرعة الاتصالات العاجلة بالمقارنة مع البواخر التي كانت تستغرق 10 أيام لعبور المحيط الأطلسي.
بداية توصيل كابل التلغراف
بعد العديد من المحاولات الغير ناجحة لتوصيل خط تلغراف لتغطية بحر الأطلس، تم الانتهاء أخيرًا من بناء أول خط تلغراف عبر المحيط الأطلسي، وهو إنجاز تم بجهود كبيرة من قبل التاجر الأمريكي سايرس ويست فيلد.
تم تطوير جهاز التلغراف للمرة الأولى من قبل صموئيل إف بي مورس، الذي كان فنانا وتحول إلى مخترع. قدم فكرة التلغراف الكهربائي في عام 1832، وعرض العديد من المخترعين الأوروبيين هذا الجهاز. ولكن عمل مورس بشكل مستقل وتمكن من اختراع جهاز التلغراف في منتصف الثلاثينيات من القرن التاسع عشر. وفي نهاية هذه الفترة، نجح في ابتكار شفرة مورس، وهي مجموعة من الإشارات التي يمكن استخدامها لتمثيل لغة خاصة في رسائل التلغراف.
أول خط تلغراف تجاري
في شهر مايو من عام 1844، افتتح مورس أول خط تلغراف تجاري في العالم برسالة “ما الذي أحدثه الله”، الذي تم إرسالها من مبنى الكابيتول الأمريكي إلى محطة السكك الحديدية في بالتيمور، بهذا الحدث نجح صموئيل مورس في غضون عقد من الزمن، وعبر أكثر من 20000 ميل من كابل التلغراف عبر البلاد، أن يجعل هناك آلية فعالة وسريعة للتواصل الجيد بين الولايات المتحدة الأمريكية المختلفة مما ساعد في تحقيق توسع سريع في تلك الفكرة.
في عام 1854، تصور سايروس ويست فيلد فكرة كابل التلغراف وحصل على ميثاق لوضع خط معزول جيداً يتم توصيله عبر قاع المحيط الأطلسي، حتى أنه تمكن من الحصول على المساعدات البريطانية وسفن تابعة للبحرية الأمريكية، إلي أنه قدم أربع محاولات فاشلة، ابتداء من عام 1857، وفي يوليو 1858 قامت أربع سفن أمريكية وبريطانية وهم أجاممنون، وشجاع، و شلالات، وجورجون، بالتقدم في منتصف المحيط للمحاولة الخامسة، وفي 29 تموز تمكنت شلالات وجورجون من الكابلات من خلال الوصول إلى خليج نيو فاوند لاند، في حين أن أجاممنون وشجاع شرعت في فالنتيا في أيرلندا.
بحلول 5 أغسطس تم توصيل الكابل بنجاح، حيث امتد الكبل قرابة 2000 ميل عبر المحيط الأطلسي على عمق أكثر من ميلين، في 16 أغسطس تمكن الرئيس جيمس بوكانان والملكة فيكتوريا من تبادل الرسائل التمهيدية والمجانية بشكل رسمي، ولسوء الحظ ثبت أن الكابل ضعيف وأن التيار غير كافٍ وبحلول بداية سبتمبر قد توقف عن العمل.
الفشل الأول بتوصيل كابل التلغراف
أدت الآثار المترتبة على سوء التعامل مع الكابلات وتصميمها، إلى جانب محاولات البيت الأبيض المتكررة لدفع الكابل بجهد مرتفع، إلى تعريض الكابلات للخطر، استغرق إرسال الرسائل وقتاً أطول، في النهاية كان إرسال نصف صفحة من نص الرسالة يستغرق وقتاً طويلاً، وفي سبتمبر 1858، بعد عدة أيام من التدهور التدريجي للعزل فشل الكابل.
كان رد الفعل على هذا الخبر ضخمًا لدرجة أن بعض الكتاب ألمحوا إلى أن الخبر كان مجرد خدعة، وأعلن آخرون أنه مجرد تكهنات في البورصة. في التحقيق الذي أجري، تم اعتبار الدكتور وايتهاوس مسؤولًا عن الفشل، ولم تنجو الشركة من الانتقادات لتوظيفها مهندسًا كهربائيًا بدون مؤهلات معترف بها.
على الرغم من أن الكابل لم يتم وضعه في الخدمة العامة ولم يعمل بشكل جيد، إلا أنه تم اختباره لبضع رسائل، وتم الإبلاغ عن تصادم سفينتي Cunard Line Europa و Arabia في 17 أغسطس، واستخدمت الحكومة البريطانية البرقية لتلبية طلبية لفوجين في كندا للمشاركة في إنجلترا وتقديم 50,000 جنيه إسترليني، وتم إرسال 732 رسالة قبل أن يتعطل النظام.
لم ينته الحماس لتوصيل الكابلات من جديد بين القارتين، ولكن الجمهور فقد ثقته في المخطط والجهود الخاصة بإحياء الشركة، وفي هذه الأثناء، غمرت الكابلات الطويلة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
تم تصميم كابل محسن في هذه التجربة، حيث يتألف النواة من سبعة خيوط ملتوية من النحاس النقي جدا بوزن 300 رطل لكل ميل بحري (73 كجم / كم)، وتغلف بمادة تشاترتون، ثم تغطى بأربع طبقات من الجوتا-برشا بشكل متناوب مع أربع طبقات رقيقة من المادة المعززة، ويصل وزن العازل إلى 400 رطل / نمي (98 كجم / كم). تم تغطية هذا اللب بالقنب المشبع في محلول وقائي، وتم تجعيده بشكل حلزوني بـ 18 حلقة فردية من الأسلاك الفولاذية عالية الشد المنتجة من شركة ويبستر وهورسفال ليمتد، وتم تغطية كل سلك بخيوط رفيعة من غزل المانيلا المشبع بالمادة الحافظة.
وزن الكابل الجديد الذي تم تصنيعه كان 4000 رطل لكل ميل بحري، أي أقرب إلى ضعف وزن الكابل القديم. نجح موقع Haymills في تصنيع 30000 ميل (48000 كم) من الأسلاك (1600 طن)، والتي صنعها 250 عاملاً على مدى أحد عشر شهرًا.
الكابل الجديد
تم تمديد الكابل الجديد بواسطة السفينة العملاقة جريت إيسترن، التي تم الاستيلاء عليها من قبل السير جيمس أندرسون، وتم تجهيز جسمها الهائل بثلاثة خزانات حديدية لاستيعاب 2300 ميل بحري (4300 كم) من الكابلات، وتم تزويدها بأجهزة دفع، في 15 يوليو 1865، غادرت جريت إيسترن من Nore إلى خليج فويلهوميرم في جزيرة فالنتيا، ولكن هذه المحاولة فشلت في 31 يوليو، بعد قطع 1062 ميلا (1968 كم)، تم قطع الكابل بالقرب من مؤخرة السفينة وفقدت الاتصال.
تشكلت شركة (Anglo-American Telegraph Company) لتثبيت كابل جديد وإصلاح الأعطال، وفي 13 يوليو 1866، بدأت سفينة Great Eastern بالمضي قدما، على الرغم من التحديات الجوية في مساء يوم الجمعة 27 يوليو، وصلت البعثة إلى الميناء والكابل محملا في ضباب كثيف. في صباح اليوم التالي في الساعة التاسعة صباحا، وصلت رسالة من القائد من إنجلترا ونشرت في The Times، وجاء فيها: `إنه عمل عظيم يمجد عصرنا وأمتنا، والرجال الذين قاموا بهذا العمل يستحقون التكريم بين أبناء شعبهم`.
سرعة الإتصال من خلال كابل التلغراف
في البداية، كانت الرسائل ترسل عن طريق جهاز إرسال يستخدم رمز مورس. كان استقبال الرسائل على كابل 1858 سيئا للغاية، حيث استغرق إرسال الرسالة الأولى على هذا الكابل أكثر من 17 ساعة. أما بالنسبة لكابل 1866، تم تحسين تصنيع الكابلات وطرق إرسال الرسائل بشكل كبير. بإمكان كابل 1866 نقل ثمانية كلمات في الدقيقة، وهو أسرع بمعدل 80 مرة من كابل 185.
أدرك Heaviside و Mihajlo Idvorski Pupin في العقود اللاحقة أن عرض النطاق الترددي للكبل يؤثر على الإشارة ويؤدي إلى تشتت شديد وبالتالي تشويه الإشارة، وتم حل هذه المشكلة في القرن العشرين عندما بلغت سرعة نقل الرسائل عبر الكابلات تحت المحيط الأطلسي 120 كلمة في الدقيقة، وأصبحت لندن في ذلك الوقت المركز العالمي للاتصالات.