قصة أبو حنيفة النعمان مع تعدد الزوجات
طلب الخليفة العباسي، أبو جعفر المنصور، من الإمام أبو حنيفة أن يقضي في النزاع بينه وبين زوجته الحرة التي تدعى أروى القيروانية، وهي أم الخليفة المهدي، في قضية الزواج المتعدد. وكان يتوقع من أبو حنيفة أن يتحالف معه ويصبح له الداعم، إلا أن أبو حنيفة أجاب بشكل غير متوقع وأربكه برده حتى سكت.
أبو حنيفة وأبو جعفر المنصور:
حدث خلاف في يوم ما بين أبو جعفر المنصور وزوجته الحرة بسبب ابتعاده عنها، وطلبت منه العدل. فسألها: بمن ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ فأجابت: بأبي حنيفة، ووافق عليه أيضًا. فاستدعاه وقال له: تخاصمني زوجتي الحرة، فاحكم بيني وبينها.
قال أبو حنيفة : ليت الخليل يتكلم، قال: كم يسمح للرجل بالزواج من النساء وجمعهن؟ قال أبو حنيفة: أربعة. قال: وكم يسمح له بالزواج من الإماء؟ قال أبو حنيفة: ما شاء، ليس لهن عدد. قال: هل يجوز لأحد أن يعارض ذلك؟ قال أبو حنيفة: لا.
قال أبو جعفر: عندما أقول “سمعت مني” يعني سمعت مقالتي وحجتي، فرد أبو حنيفة: إن الله جعل هذا الحكم لأهل العدل فقط، فإذا لم يكن الشخص عادلا أو كان يخشى عدم العدل، يجب ألا يتجاوز الحد الواحد. وقد قال الله تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” [النساء: 3]
يجب علينا، يا أمير المؤمنين، أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه. ولذلك، سكت أبو جعفر واستمر سكوته لفترة طويلة. ثم خرج أبو حنيفة من عنده، وعندما وصل إلى منزله، أرسلت زوجة الخليفة خادما إليه، ومعه مال وثياب وجارية وحمار. رفض أبو حنيفة هذه الهدايا وقال للخادم: أعد لها تحياتي، وقل لها إنني قد قاومت من أجل ديني وقمت بهذا الموقف من أجل الله، وليس لدي نية للتقرب من أي شخص بذلك، ولا أسعى للحصول على مكاسب دنيوية.
رسالة لمن يريد التعدد:
لما أراد أو جعفر المنصور الاستعانة بأبي حنيفة ظن أنه ينصفه في رأيه في تعدد الزوجات فالشرع قد حلل له أربع نساء والآية الكريمة تقول { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3] وشأنه في ذلك شأن كل الرجال الرغبة في التعدد للفكرة نفسها ونسى الشرط الموجود بالآية ولكن أبو حنيفة ذكره بأن يقرأ الآية كاملة: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [سورة النساء: 3]. فقال له: فمن لم يعدل أو خاف ألا يعدل فينبغي ألا يجاوز الواحدة.
نحن هنا لا نمنع ما أحله الله، ولا نعارض شريعة الله، ولأن كل شيء له علة، فقد جعل الله في شريعته فقط ما هو خير للأمة. ومع ذلك، هذه الرسالة موجهة لكل من يريد التعدد: هل سمعت شرط التعدد وفهمته؟ هل أنت مستعد للوقوف أمام الله وتحاسب على عدم العدل بين زوجاتك؟ وفقا لأبي هريرة رضي الله عنه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من كان لديه امرأتان وأحب إحداهما فشق قلبه يوم القيامة“. ولا يكمن العدل في الإنفاق وحده، بل يتضمن العدل الرعاية والوقت والمال والأبناء والمعاملة وجميع شؤون الحياة. إذا كنت ترى أنك قادر على تحقيق العدل في هذه الأمور، فلك تهانينا لأن الله أحل لك ذلك، ونسأل الله أن يهدينا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه.