فلسفة الكندي ومؤلفاته
واحد من أشهر الفلاسفة الإسلاميين هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، وهو ذو أصول عربية، وقد حظي الكندي بمكانة مرموقة في العالم الإسلامي حيث عرف بلقب `فيلسوف العرب`. في العصر الحالي، يعتبر الكندي رابطا بين الفلسفتين اليونانية والإسلامية، حيث عمل الكندي على تأصيل الفلسفة اليونانية وجعلها متوافقة مع مبادئ الدين الإسلامي، كما درس نظرية المعرفة وكان جزءا لامعا في الساحة الفكرية العباسية في بغداد في القرن التاسع. قام أيضا بتدريس ابن الخليفة واشتهر الكندي بمساهماته في المفاهيم الفلسفية وتطوير المفردات الفلسفية باللغة العربية
الكندي فيلسوف العرب
من أشهر نظريات الكندي الفلسفية هي (الميتافيزيقا)، إذ أن علمه يتوافق على الفور مع الدراسة المتعلقة بالله تعالى، وهذا باعتبار أن الفلسفة هي البحث في الحقيقة، ولذلك تصبح الفلسفة الأولى هي معرفة الله عز وجل، إذ أنه الحقيقة الأولى وسبب جميع الحقائق، وعلى الرغم من أن ذلك ربما لا يبدو أن له علاقة وثيقة بشرح أرسطو للفلسفة الأولى كعلم للوجود، إلا أن الكندي يربط الحقيقة بأن (“كل ما له وجود له حقيقة”)، فعند القول بأن الله هو مُسبب كافة الحقائق فيكون كالقول بأن الله هو سبب كل الوجود.
قام إسحاق الكندي بمناقشة السبب الأول في وجود الكون من خلال الدفاع عن سبب الوحدة. وأكد أن جلب شيء ما يدل على فرض وجود وحدة معينة. ولذلك، يتميز لاهوت الكندي الفلسفي بجانبين أساسيين: التأكيد على وجود “شيء واحد حقيقي” وهو السبب الحقيقي للوحدة في كل شيء، والنقاش حول طبيعة ذلك الشيء الواحد، ويتم التعامل مع هذه الجوانب في الأقسام الثالث والرابع من الفلسفة الأولى
في الجزء الثالث، يقوم الكندي بإثبات عدم وجود سبب خاص للوحدة، وهذه النقطة لم يتم استخدامها بشكل صريح بعد، وربما يكون المقصود منها هو أنه لا يوجد أي شيء يمكن أن يكون سببا للوحدة، ويقوم بتصنيف جميع المسندات أو المصطلحات (المقولات) إلى أنواع وأصناف مختلفة، بما في ذلك الفردية والحوادث المناسبة والحوادث الشائعة، ويأخذ كل منها في الاعتبار.
فلسفة الكندي
يتناول إسحاق الكندي أيضا مفهوم أن كل نوع من المسند يشير في الوقت نفسه إلى الوحدة والتعددية، ومثال على ذلك هو أن الحيوان هو جنس واحد ولكنه مكون من عدة أنواع. بالمثل، يمكننا أن نقول أن الإنسان هو نوع واحد ولكنه مكون من العديد من الأفراد. والإنسان الفرد هو شخص وحيد ولكنه مكون من العديد من الأجزاء في جسمه. وبالتالي، يحاول الكندي تفسير العلاقة بين الوحدة والتعددية في جميع جوانب الحياة. ولهذا السبب، يناقش أن الارتباط لا يمكن أن يكون مجرد صدفة، وأنه من المستحيل أن يكون السبب مرتبطا بأي شيء من مجموعة الأشياء التي هي واحدة ومتعددة في نفس الوقت.
لذلك، يجب التحقق من وجود سبب خارجي للارتباط الموجود بين الوحدة والتعددية، ويجب أن يكون هناك سبب واحد فقط ولا يشمل أي أشكال من التعددية. وأشار الكندي إلى أن هذا السبب هو “الجوهر” بينما تعتبر جميع الأشياء الأخرى “عرضية”، وهو يشير إلى أنها “حقيقية بشكل واحد”، بينما الأشياء الأخرى وهي “افتراضية.” بإمكاننا تلخيص الأمر بأن الكندي يريد أن يوصل إلى أن السبب في السؤال هو “الحق” أو الله عز وجل.
مؤلفات الكندي
من حظ سعيد وجود قائمة تحتوي على أعمال ينسبها إلى الكندي، وتلك القائمة تحتوي على إنجازات إسحاق الكندي. تم ذكرها في فهرست القرن العاشر للكتاب ابن النديم. يمكننا إعتبار ابن النديم المسؤول عن توثيق معرفتنا بأن الكندي قد كتب المئات من الرسائل في مجموعة متنوعة تماما من التخصصات الفلسفية والعلمية. ومع ذلك، فإن العناوين العلمية والرياضية تفوق عددها العناوين التي وجدت في مجال الفلسفة
مخطوطة اسطنبول
ويجدر بالذكر أن كل هذا سيضيع في يومنا هذا لولا وجود مخطوطة واحدة محفوظة في مدينة اسطنبول بتركيا، والتي تحتوي على معظم مؤلفات إسحاق الكندي الفلسفية (تم تحريرها في أبو ريدة بين عامي 1950 و 1953، وتم تحرير العديد من النصوص المهمة وترجمتها في راشد وجوليفيت عام 1998)، وتحتوي هذه الأطروحة المشهورة في الفلسفة الأولية على نسخة غير كاملة منها، حيث تتألف من الجزء الأول فقط، والذي ينقسم إلى أربعة أقسام على النحو التالي
- يتم اعتبار الجزء الأول منه في الأساس كتقديم للنصائح للقارئ لتعزيز الحكمة الفلسفية اليونانية.
- ويشمل القسم الثاني مناقشة جدال العالم الكندي المعروف حول بقاء وخلود الكائنات الحية.
- في حين يؤكد الثالث والرابع وجود “واحد حقيقي”، وهو الله تعالى، كما أنه مصدر الوحدة في جميع الأشياء الأخرى، وينظران إلى عدم قدرة اللغة على تعبير ذلك الحق.
تشمل مخطوطة إسطنبول أيضا واحدة من النسخ النادرة لكتاب الكندي في الفكر، المحفوظة باللغة العربية (والترجمة اللاتينية أيضا)، وهي أول رسالة في التقليد العربي التي تعطي تصنيفا لأنواع الفكر، كما كان مألوفا لدى الفارابي وابن سينا وابن رشد
كما قامت بعض الأعمال الأخرى بتسليط مزيدًا من الضوء على علم النفس الكندي (أي نظرية الروح)، إذ يتألف الخطاب في الروح من اقتباسات مأخوذة من فلاسفة اليونان، بالإضافة إلى وجود مواد منفصلة تستعمل أقوال أرسطو في إثبات أن الروح غير مادية، أما في النوم فيقدم الحلم سردًا للأحلام النبوية من خلال نظرية أرسطو في الخيال، ترتبط نظريات الكندي النفسية بعمله الهام الوحيد الباقي عن الأخلاق (في تبديد الأحزان)، وكذلك عمل على تأليف مجموعة من الحكايات والأقوال الأخلاقية المنسوبة إلى سقراط.
نظريات الكندي
كما أن الكندي قام بعرض نظرياته الكونية في نصين آخرين، وقد تم إيجادهم في نفس ذات المخطوطة، وهما عن سبب العامل القريب للجيل والفساد وسجود الكرة الأبعد، بالإضافة إلى وجود الكثير من الأعمال التي ترتبط بالأرصاد الجوية والتنبؤ بحالات الطقس، وفيهما يعمل على تطبيق الأفكار الكونية نفسها لإظهار كيفية إنتاج الحركة السماوية المطر وظواهر الأرصاد الجوية الأخرى في العالم السفلي الذي نحيى فيه.
رغم أن تلك الأعمال تأثرت بأفكار أرسطو، إلا أن الكندي اعتمد أيضا على بعض المصادر اليونانية الأخرى مثل بطليموس. كان لديه فهم واسع للتقاليد العلمية اليونانية، ويمكن أن نذكر مثالا على ذلك استخدامه لأفكار إقليدس وبطليموس في كتاب مشهور يتعلق بالبصريات. ولم يتم الاحتفاظ به إلا في اللغة اللاتينية. يمكننا القول إن مجموعة كتب الكندي العلمية ضخمة للغاية وتشمل أطروحات في صناعة الأدوية والموسيقى وعلم التنجيم والرياضيات.