سبب نزول ” وقل جاء الحق وزهق الباطل “
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [سورة الإسراء: 80-81]
سبب نزول الآية:
عن ابن عباس قال: كان النبي صل اللّه عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة، فأنزل اللّه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}.
وقال الحسن البصري: لما كانت كفار مكة يخططون لقتل أو طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الله بمحاربتهم وأمره بالهجرة إلى المدينة. وقد قال الله عز وجل: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا}.
عن عبد اللّه بن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ستين وثلاثمائة نصب، فبدأ يطعنها بعود في يده ويقول: (جاء الحق وانقضى الباطل، فإن الباطل كان زائلا، جاء الحق ولا يبدأ الباطل ولا يعود) [رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي].
تفسير:
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}: قال قتادة: يعني المدينة {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}: يعني مكة، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد، وهذا القول هو أشهر الأقوال، وهو اختيار ابن جرير، وقوله: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}: قال الحسن البصري: وعده ربه لينزعن ملك فارس وعز فارس، وليجعلنه له، وملك الروم وعز الروم وليجعلنه له. وقال قتادة: إن نبي اللّه صل اللّه عليه وسلم علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب اللّه، ولحدود اللّه، ولفرائض اللّه، ولإقامة دين اللّه؛ فإن السلطان رحمة من اللّه، جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم.
{سُلْطَانًا نَصِيرًا}: قال مجاهد: الحجة بينة، واختار ابن جرير الأول، لأنه لا يمكن الفوز بالحق إلا بقهر من يعاديه ويناوأه، ولهذا يقول الله تعالى في القرآن: { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس } [الحديد:25]. وفي الحديث: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وهذا يعني أن السلطان قادر على منع الناس من القيام بالفواحش والآثام بطرق أخرى غير القرآن، ويتضمن ذلك التهديد بالعقوبة والوعيد الشديد، وهذا ما يحدث في الواقع.
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}: إنه تهديد وتحذير لكفار قريش، حيث جاء إليهم من الله الحق الذي لا شك فيه ولا يمكن الشك فيه، وليس لهم سابقة فيه، وهو ما بعث به الله من خلال القرآن والإيمان والعلم النافع وأزال به باطلهم، أي انتهى وهلك، ولا يوجد للباطل ثبات مع الحق ولا بقاء، بل نلقي الحق على الباطل فيزهقه، وهذا ما قاله الله في سورة الأنبياء، الآية 18، وقال الحافظ أبو يعلى، عن جابر رضي الله عنه، “دخلنا مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحول الكعبة 360 صنما يعبدون من دون الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكسيرهم وسحقهم، وقال: “جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.