حديث الجساسة وآراء الفقهاء في صحته
حديث الجساسة” هو حديث نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن العلماء يختلفون فيما إذا كان هذا الحديث صحيحا أم لا، وهناك شبهات حوله، ومع ذلك، ورد هذا الحديث في صحيح الإمام مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، وتم اعتباره حديثا صحيحا، ويتحدث عن لقاء بين بعض العرب والمسيخ الدجال، ووصفهم له.
حديث الجساسة:
رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة عن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، قالت: نكحت ابن المغيرة. وهو من خيار شباب قريش يومئذ. فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صل الله عليه وسلم. فلما تأيمت خطبني عبدالرحمن بن عوف، في نفر من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم. وخطبني رسول الله صل الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حدثت؛ أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال «من أحبني فليحب أسامة» فلما كلمني رسول الله صل الله عليه وسلم قلت: أمري بيدك. فأنكحني من شئت. فقال «انتقلي إلى أم شريك» وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار. عظيمة النفقة في سبيل الله. ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. فقال «لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين. ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم» وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه فانتقلت إليه. فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله صل الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة.
خرجت إلى المسجد. صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. كنت في صف النساء اللاتي يتبعن الرجال. عندما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، جلس على المنبر وكان يضحك. قال: `كل إنسان يجب أن يحافظ على صلاته`. ثم قال: `هل تعلمون لماذا جمعتكم؟` قالوا: `الله ورسوله أعلم`. قال: `والله، لم أجمعكم بسبب الشهوة أو الخوف. ولكن جمعتكم لأن رجلا اسمه تميم الداري كان مسيحيا، ثم أسلم وأخبرني بموضوع يتفق مع ما كنت أخبركم به عن المسيح الدجال. قال لي: ركبت سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام. لعبت بهم الأمواج في البحر لمدة شهر، ثم رفعتهم إلى جزيرة في البحر حتى غروب الشمس. جلسوا على أقرب سفينة ودخلوا الجزيرة. هناك التقوا بوحش كثيف الشعر لا يعرفون ما قبله من خلفه بسبب كثافة شعره. قالوا: `ويلك! من أنت؟` فأجابت: `أنا الجساسة`. قالوا: `وما هي الجساسة؟` فقالت: `أيها الناس! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه سيخبركم بالأشواق`. قال: `عندما سمعتنا اسم رجل قامت بفصلنا عنها لأنها قد تكون شيطانة`.
قال فانطلقنا سريعا. حتى وصلنا إلى الدير. إذا فيه أعظم إنسان رأيناه على الإطلاق. كان قويا جدا ومقيدا بالحديد. كانت يديه مربوطة حول عنقه، وبين ركبتيه وكعبيه. قلنا: ويلك! من أنت؟ قال: لقد استطعتم معرفة هويتي. قولوا لي من أنتم؟ قلنا: نحن أشخاص من العرب. ركبنا سفينة بحرية، وواجهنا البحر عندما اشتد العاصفة. عانينا من تأثير الأمواج لمدة شهر. ثم ألقتنا الأمواج على جزيرتك هذه. جلسنا في أقرب نقطة لها. ثم دخلنا الجزيرة وصادفنا دابة ذات شعر كثيف. لم يكن يعلم ما قبله من ذيله بسبب كثافة الشعر. قلنا: ويلك! من أنت؟ فأجابت: أنا الجساسة. قلنا: وما هي الجساسة؟ قالت: استعدوا لهذا الرجل في الدير، فإنه يعرف تفاصيل مشاعركم. اقتربنا منك بسرعة وخفنا منها، ولم نكن مطمئنين إن كانت شيطانة. فقال: أخبروني عن نخلة بيسان. قلنا: لماذا تسأل عنها؟ قال: أريد أن أعرف ما إذا كانت تثمر؟ قلنا له: نعم، إنها تثمر. فقال: ربما قريبا لن تتمكن من إنتاج ثمار. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: لماذا تسأل عنها؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: نعم، بها الكثير من الماء. قال: قد يحدث أن ينضب ماءها قريبا. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: لماذا تسأل عنها؟ قال: هل فيها ماء؟ وهل يزرع سكانها باستخدام ماء العين؟ قلنا له: نعم، بها الكثير من الماء، ويزرع سكانها باستخدامه. قال: أخبروني عن نبي الأميين وماذا فعل؟ قالوا: غادر مكة واستقر في يثر.
قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح. وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج. فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة. غير مكة وطيبة. فهما محرمتان علي. كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا. يصدني عنها. وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صل الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر “هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة” يعني المدينة “ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟” فقال الناس: نعم. “فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صل الله عليه وسلم.
آراء العلماء في صحة حديث الجساسة:
وقال الترمذي في كتابه (العلل الكبير): سألت الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث الجساسة، فأجاب قائلاً: يحدث عنه الزهري عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، وأضاف محمد: وأما حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال فهو حديث صحيح.
وسئل الألباني عن هذا الحديث: هل صحيح، وهل هو متعارض مع بعض الأحاديث؟ قال: حديث الجساسة حديث صحيح، ولا يتعارض مع الأحاديث الصحيحة على الإطلاق، بل يحتوي على تفاصيل ستظهر في يوم ما ولم تذكر في بعض الأحاديث الصحيحة، وحدثت بعضها، ولا شك في صحة حديث الجساسة لسببين: الأول، أنه رواه مسلم في صحيحه، والثاني، أننا لم نجد في سلسلة الراوي مغمزا أو مطعنا.
وقال في كتابه (قصة المسيح الدجال): أدرك أن هذه القصة صحيحة – بل متواترة – لم يروها تميم الداري وحده، بل تابعها أبو هريرة وعائشة وجابر أيضا.
في حين أن سماحة الشيخ بن عثيمين يرى أن حديث تميم الداري لم يثبت صحته لعدم صحته المعارضة لما هو أكثر صحة منه، ولضعفه في سياقه! ونحن نذكر هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إنه، بعد مرور مائة سنة، لن يبقى على وجه الأرض أحد كان على حاله اليوم”. فإذا استندنا إلى هذا الحديث عند بحث حديث تميم الداري، فإنه يخالف هذا الحديث الصحيح، لأن حديث تميم الداري يشير إلى أن المسيح الدجال سيبقى حتى يظهر، لذلك فإن حديث تميم الداري يعارض هذا الحديث الثابت في الصحيحين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن سياق حديث تميم الداري فيما يتعلق بالجساسة ليس واضحا، فهل هو من تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا.
وقال في موضع آخر: يختلف حديث الجساسة عن وصف الدجال الذي ذكر في الصحيحين، حيث يشير الوصف إلى أن الدجال رجلٌ قصير، جعد الرأس، يشبه عبد العزى بن قطن، وهو من قحطان، بينما الجساسة لا يندرج ضمن هذا الوصف.
وقال أيضًا: أن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي صل الله عليه وسلم؛ لما في سياق متنه من النكارة، وقد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً؛ لأن سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي صل الله عليه وسلم. فسئل: هل قال به أحد من السلف قبل محمد رشيد رضا ؟ فقال الشيخ: لا أعلم، لكن لا يشترط، وأنا لم أتتبع أقوال العلماء فيه؛ لكن في نفسي منه شيء.